للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يقول: يا من تسرُّه الطاعة ولا تضره المعصية هب لي ما يَسرُّك واغفر لي ما لا يَضرُّك قال: ثم رأيته بذي الحليفة وقد لبس إحرامه والناس يلبون وهو لا يلبي، فقلت له في ذلك فقال: يا شيخ أخاف أن أجاب بلا لبيك ولا سعديك، ولا أسمع كلامك ولا أنظر إليك فقلت له: لا تفعل فإنه كريم إذا غضب رضي، وإذا رضي لم يغضب، وإذا وعد وفَّى، وإذا تَوَعَّد عفى (١).

فقال لي: يا شيخ: أتُشير عليَّ بالتلبية؟ فقلت: نعم.

فبادر إلى الأرض واضطجع وجعل خده على الأرض وأخذ حجزا فجعله على خده الأخر، وأسبل دموعه وأقبل يقول: لبيك اللهم لبيك، قد خضعت لك وهذا مصرعي بين يديك، فأقام كذلك ساعة ثم قام ومضى.

الثانية عشرة: يُحكى أنه عنَّ لبعض كبار الوزراء في أثناء وزارته فكرة وموعظة من نفسه فتاب.

فلما سمع شيوخ الحرم بقدومه خرجوا للسلام عليه فرأوا شعثه وما نزل به من تغير البهجة، ورثاثة الحال فقالوا له كالمتعجبين منه: نرى الشيخ بعد تلك النَّضرة والنعيم قطع هذه المفاوز حافيًا على قدميه فقال لهم: وكيف يأتي العبد إذا قاد نفسه إلى باب مولاه لو قدرت لجئت على رأسي.

فائدة: يروى عن ابن عباس أنه قال: حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيمًا له (٢)، وكذلك الأنبياء كانوا يدخلونه مشاة حفاة، بل كبار الحيتان لم تأكل صغارها في الحرم زمن الطوفان تعظيمًا للحرم.

الثالثة عشرة: يروى أن امرأة عابدة حجت فلما دخلت مكة جعلت تقول: أين بيت ربي؟ أين بيت ربي؟ فقيل لها: هذا بيت ربك فاشتدت نحوه تسعى حتى ألصقت جنبيها بحائط البيت فما رفعت إلا ميتة.


(١) رواه الترمذي في سننه (٣٥٤٠) كتاب الدعوات عن أنس قال سمعت رسول اللَّه يقول: "يقول اللَّه : يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة".
(٢) في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)﴾ لآيات يعني: الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل الذي يزعم كل من طائفتى النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر اللَّه له في ذلك ونادى الناس إلى حجه. وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقًا، والصحيح قول علي؛ أي قوله: كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة اللَّه [تفسير ابن كثير (١/ ٣٨٣)].

<<  <  ج: ص:  >  >>