للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكاليف، إنما الجنة هي التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (١)، فهو جناية على جناب الحق بانتهاك محارمه، فكأن الظالم لم يرض به ربًا ولا على دينه الذي ارتضاه في كتبه، وعلى ألسنة رسله.

إذ رماه الظالم بيده وراء ظهره، ولم يرض به دينا، وعلى مملكته.

إذ الظلم خراب للعالم لا جرم.

قال صاحب الشرع إثر ذلك: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" (٢) وعلى المظلوم إذا لم يرع الظالم له حرمة.

وروينا فيهما من حديث عائشة مرفوعًا: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين".

أي فكل درهم يؤخذ ظلمًا فعليه إثمه وإثم لوازمه كلها.

فهذا تعدد في ضرر الظلم، باعتبار لوازم المظلمة وإيجابها وجهاته.

والذي قبله تعدد فيه باعتبار من يتأذى به.

وروينا فيهما من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "إن اللَّه يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته"، ثم تلى قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ﴾. (٣) الآية.


= المعجم الكبير (١٥/ ٣٢٨) وروي مسلم آخره [١٢٠ - (٦٦)] كتاب الإيمان ٢٩ - باب بيان معنى قول النبي : "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
(١) أخرجه مسلم في صحيحه [٢ - (٢٨٢٤)] كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، في فاتحته، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "قال اللَّه ﷿: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" وأخرجه أحمد في مسنده (٢/ ٤٣٨)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤/ ٥٢١، ٥٥٧)، والزبيدي في الإتحاف (٨/ ٥٦٨، ١٠/ ٥٣٥).
(٢) تقدم تخريجه، وقال النووي في معناه: قيل في معناه سبعة أقوال: أحدها: أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق، والثاني: المراد كفر النعمة وحق الإسلام، والثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه، والرابع: أنه فعل كفعل الكفار، والخامس: المراد حقيقة الكفر ومعناه: لا تكفروا بل دوموا مسلمين، والسادس: حكاه الخطابي وغيره أن المراد بالكفار والمتكفرون بالسلاح والسابع: قاله الخطابي معناه لا يُكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا، وأظهر الأقوال الرابع وهو اختيار القاضي عياض. [النووي في شرح مسلم (٢/ ٤٨) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٤٦٨٦) كتاب تفسير القرآن، سورة هود - باب قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)﴾ [هود: ١٠٢]، ومسلم في صحيحه [٦١ - (٢٥٨٣)] كتاب البر والصلة والآداب، ١٥ - باب تحريم الظلم، والترمذي في سننه (٣١١٠) كتاب تفسير القرآن باب من سورة هود، وابن ماجه (٤٠١٨)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ١٨٥)، والشجري في أماليه (٢/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>