للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه تنبيه من باب أولى على النهب والمحاربة، كل استيلاء باطل (١). وروينا أيضًا من حديث أبي هريرة أن رسول اللَّه قال: أتدرون من المفلس من أمتي قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار" (٢).

وهذا هو المفلس الحق، يقي وغير خاف.

أن إذ تفرق غرماؤه حسناته التي كأمثال الجبال، ثم وضعت عليه سيئاتهم، وطرح في النار، لا حسرة كحسرته، وأي أمر حصل له من مظالمه يقابل هذا الإفلاس الشديد في أضيق الأوقات.

وروينا فيهما من حديث أم سلمة مرفوعًا: "وإنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار" (٣).

فالحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا فليكن الإنسان على بصيرة ولو ألقى معاذيره.

واعلم أن أحكام الدنيا والآخرة لون، وأحكام الجزاء والحاقة لون، فلا يتوهم أن إذن الحاكم يحمي الحساب أو يمنع العذاب.


(١) قال النووي: فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد وهي تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة وهو أن يقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص للَّه تعالى وقوله : "مقبل غير مدبر" لعله احتراز مما يقبل في وقت ويدبر في وقت، والمحتسب هو المخلص للَّه تعالى فإن قاتل لعصبية أو لغنيمة أو لصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ٢٦، ٢٧) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [٥٩ - (٢٥٨١)] كتاب البر والصلة والآداب، ١٥ - باب تحريم الظلم، والترمذي في سننه (٢٤١٨) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٩٣)، والخطيب في تاريخ بغداد (٤/ ٢٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٧١٨١) كتاب الأحكام، ٢٩ - باب من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه فإذ قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، ومسلم في صحيحه [٤ - (١٧١٣)] كتاب الأقضية، ٣ - باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، وأبو داود في سننه (٣٥٨٣)، ومالك في الموطأ (٧١٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (٩٠/ ١٤٩)، وتلخيص الحبير (٤/ ١٩٢)، والتبريزي في مشكاهّ المصابيح (٣٧٦١)، والسيوطي في الدر المنثور (١/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>