للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاكتنفه الناس فقال: أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرًا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه؟ قالوا: بلي.

قال: فسفر طريق الآخرة أبعد ما تريدون فخذوا ما يصلحكم، قالوا: وما يصلحنا؟ قال: حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديدًا حره لطول النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة سواد الليل لوحشة القبور. كلمة خير تقولها، أو كلمة سوء فتسكت عنها لوقوف يوم عظيم، تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرة. اجعل الدنيا مجلسين، مجلس في طلب الحلال، ومجلس في طلب الآخرة.

والمجلس الثالث يضرك ولا ينفعك، فلا ترده.

واجعل المال درهمين، درهمًا تنفقه على عيالك من حله، ودرهمًا تنفقه لآخرتك.

والمال يضرك ولا ينفعك، فلا ترده.

ثم نادى بأعلى صوته: يا أيها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدًا.

التاسعة: كتب أبو الدرداء (١) إلى سلمان الفارسي: يا أخي اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع العباد رده، واغتنم دعوة المبتلى ويا أخي ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول اللَّه يقول: إن المسجد بيت كل تقي، وقد ضمن اللَّه تعالى لمن كانت المساجد بيوتهم الروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان اللَّه، ويا أخي ارحم اليتيم وأدنه، أطعمه من طعامك فإني سمعت رسول اللَّه يقول وأتاه رجل يشتكي قساوة قلبه فقال: "أتحب أن يلن قلبك" (٢).

قال: نعم، قال: "أدنِ اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتقدر على حاجتك".

يا أخي لا تجمع ما لا تستطيع شكره، فإني سمعت رسول اللَّه يقول (٣)


= انصرف إلى بلاد قومه وأقام بها بأمر النبي ثم لما هاجر النبي هاجر أبو ذر إلى المدينة.
(١) أبو الدرداء عويمر بن عبد اللَّه، وقيل ابن زيد وقيل ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، وقيل عويمر بن قيس بن زيد، ويقال عامر بن مالك، حكيم هذه الأمة، له عن النبي عدة أحاديث. توفي سنة (٣٢) هـ.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (١/ ٣٨٤)، وعبد الرزاق في مصنفه (٢٠٠٢٩)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ٢١٤)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٤٩)، والهيثمي فى مجمع الزوائد (٨/ ١٦٠).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٢٠٠٢٩)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ٢١٤)، والزبيدى في الإتحاف (٨/ ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>