أدخل مكة، فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي.
هذا المكان ميعاد بيني وبينك.
قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم، فعرفني ما أصنع بالنفقة، ما أصنع بالكسوة، أما ترى علي إزار من صوف، ورداء من صوف.
متى تراني أخرقهما؟ أما ترى نعلي مخصوفتان متى تراني أبليهما؟.
أما ترى إني أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟.
يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويلك عقبة كؤودًا إلا ضامر مخف مهزول، فأخف رحمك اللَّه.
فلما سمع عمر ضرب بدرته الأرض، ثم نادى بأعلى صوته ألا ليت عمر لم تلده أمه، يا ليتها عقيمًا لم تعالج حملها ألا من يأخذها بما فيها يعني الخلافة ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت.
فهنا تولى عمر ناحية مكة، وساق أويس فوافى القوم فأعطاهم المير، وخلى الرعاية، وأقبل على العبادة حتى لحق باللَّه.
وروي عن عمار بن سيف الضبي أنه قال: قال رجل لأويس كيف أصبحت أو كيف أمسيت؟
فقال له أويس: أصبحت أحب اللَّه، وأمسيت أحمده.
وما يسأل عن حال رجل إذا أصبح ظن إنه لا يمسي وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح.
إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحًا، وإن حق اللَّه في مال المسلم لم يدع له في ماله فضة ولا ذهبًا.
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقًا.
وروي عنه إنه كان يقتات من المزابل، ويكتسي منها فنبحه كلب يومًا على مزبلة، فقال له أويس: "كل مما يليك، فأنا آكل مما يليني، ولا تنبحني، فإن جزت الصراط، فأنا خير منك، وإلا فأنت خير مني".
ولسيدي عبد اللَّه اليافعي:
سقى اللَّه قومًا من شراب وداده … فهانوا به ما بين باد وحاضر
يظنهم الجهال جُنًا وما بهم … جنون سوى حُبِّ على القوم ظاهر
سقوا بكؤوس الحب راحًا من الهوى … فراحوا سكارى بالحبيب المسامر