السيئات، وعليك بالجد والاجتهاد، ثم بكي وجعل يقول:-
شغلت النفوس بالقليل الفاني … وسحبت الأبدان بالتسويف والإماني
ثم قال: يا بشر وما رآني ولا عرفني قبل ذلك: إن للَّه عبادًا خالط قلوبهم الحزن، وأسهر ليلهم، وأظمأ نهارهم، وأبكى عيونهم، وكانوا كما وصفهم ربهم في كتابه: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)﴾.
الرابعة: عن محمد بن محبوب قال: كنت في شارع البيمارستان وإذا بغلام قد غل وقيد، فقال: يا ابن محبوب أتراه بعد الغل والقيد راضيًا عني في حبه؟
ثم بكى وأنشأ يقول:
من ذنوبي يحق لي أن أنوحا … لم تدع لي الذنوب قلبًا صحيحًا
أخلفت بهجتي إلف المعاصي … ونعاني المشيب نعيًا صريحًا
كلما قلت قد برئ جرح قلبي … عاد قلبي في الذنوب جريحًا
إنما الفوز والنعيم لعبد … جاء في الحشر آمنًا مستريحًا
الخامسة: عن ذي النون قال: بينما أنا سائر في جبل لكام مررت على دار كثير الأشجار والنبات.
فبينما أنا واقف أتعجب من حسن زهوته، ومن خضرة العشب في جنباته إذ سمعت صوتًا أهطل مدامعي وهيج بلابل حزني.
فاتبعت الصوت حتى أوقفني بباب مغارة في سفح ذلك الوادي، فإذا كلام يخرج منها، فاطلعت فيها، فإذا برجل من أهل التعبد والاجتهاد يقول: سبحان من نزه نفوس المشتاقين في رياض الطاعة بين يديه.
سبحان من أوصل الفهم إلى عقول ذوي البصائر، فهي لا تعتمد إلا عليه.
سبحان من أورد حياض المودة نفوس أهل المحبة.
فهى لا تحن إلا إليه.
ثم أمسك فقلت: السلام عليك يا حليف الأحزان، وقريب الأشجان.
فقال: وعليك السلام، ما الذي أوصلك إلى من أفرده خوف المسألة عن الأنام، واشتغل بمحاسبة نفسه عن التقطع في الكلام.
فقلت: أوصلني إليه الرغبة في النصح والاعتبار والتماس المواهب من قلوب المقتربين والأبرار.
فقال: يا بني إن للَّه عبادًا قدح في قلوبهم زند الشغف نارا ترمق، فأرواحهم تسرح في رياض الملكلوت وتنظر إلى ما ادخر لها في حُجُب الجبروت.