للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: صفهم لي.

قال: أولئك قوم أووا إلى كهف رحمته، وشربوا كؤوس راح محبته.

ثم قال لي: يا سيدي بهم فألحقني، ولأعمالهم وفقني.

فقلت: ألا توصيني بوصية؟

فقال: أحب اللَّه شوقًا إلى لقائه، فإن له يومًا يتجلى فيه لأوليائه.

ثم أنشد يقول:

قد كان لي دمع فأفنيته … وكان لي جفن فأدميته

وكان لي جسم فأبليته … وكان لي قلب فأضنيته

وكان لي سيدي ناظر … أرى به الخلق فأعميته

عبدك أضحى سيدي موثقًا … لو شئت قبل اليوم آويته

السادسة: عن ذي النون المصري أيضًا قال: وصف لي رجل من البادية باليمن قد برز على الخافقين (١)، وسما على المجتهدين بسيما بين الناس معروف، وباللباد حكمه والتواضع والخشوع موصوف.

فخرجت حاجًا إلى بيته، فلما قضيت الحج، قصدت زيارته لأسمع كلامه، وانتفع بموعظته، أنا وأناس كانوا معي يطلبون كما أطلب من البركة. وكان معنا شاب عليه سيما الصالحين ومنظر الخائفين.

وكان مصفر الوجه من غير سقم، أعمش العينين من غير رمد.

يحب الخلق ويأنس بالوحدة، تراه كأنه قريب بمصيبته.

وكنا نعذله على أن يرفق بنفسه.

فلا يجيب قولنا وعذلنا، ولا يزداد إلا مجاهدة.

أيها الغافلون في الحب مهلًا … حاش لي عن هواه أن أتسلى

كيف أسلوا وقد تزايد وجدي … وتبدلت بعد عزي ذلًا

قيل: تُبلى فقلت تبلى عظامي … وسط لحدي (٢) وحكيم ليس يبلا

حبكم قد شربته في فوادي … في قديم الزمان مذ كنت طفلًا


(١) الخافق: الأفق، وهما خافقان: أفق المثرق وأفق المغرب، جمعها: خوافق، وخوافق السماء الجهات التي تهب منها الرياح.
(٢) لحد: الميت. لحدًا، دفنه في اللحد، واللحد الشق يكون في جانب القبر للميت، جمعها: ألحاد ولحود.

<<  <  ج: ص:  >  >>