للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال سالم بن عبد اللَّه: إن أردت النجاة من عذاب الدنيا فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب اللَّه فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأواسطهم أخًا، وأصغرهم ولدًا فوقِّر أباك وارحم أخاك، وأكرم ابنك.

وقال له رجاء بن حيوة (١): إن أردت النجاة من عذاب اللَّه، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت متى شئت وإني أقول لك: إني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام، فهل معك رحمك اللَّه من يشير عليك بمثل هذا فبكى الرشيد بكاءًا شديدًا حتى غشي عليه.

قال الفضل: فقلت له: يا أبا علي أرفق بأمير المؤمنين.

قال: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا.

ثم قال: فقال له: زدني رحمك اللَّه قال: يا أمير المؤمين بلغني أن غلامًا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه منه فكتب إليه عمر: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإياك أن ينصرف بك من عند اللَّه فيكون آخر العهد بك، وانقطاع الرجاء منك، قال: فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه فقال له: ما أقدمك عليّ؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، فلا أعود إلى ولاية حتى ألقى اللَّه.

فبكى هارون الرشيد بكاءًا شديدًا.

ثم قال له: زودني يرحمك اللَّه. قال: يا أمير المؤمنين بلغني أن العباس جاء إلى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه أمرني على إمارة فقال: إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة (٢) فإن استطعت أن لا تكون أميرًا فافعل فبكى الرشيد بكاءًا شديدًا، وقال: زدني فقال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك اللَّه عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تُصبح وتُمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن رسول اللَّه قال: "من أصبح وهو غاش لرعيته لم يرح رائحة الجنة" (٣) فبكى الرشيد ثم قال: عليك دين؟


= ووهم من قال ولد على عهد النبى ، وأخرج له: أصحاب الكتب الستة، توفي سنة (١٢٠). [التقريب (٢/ ٢٠٣)].
(١) رجاء بن حيوة بن جرول، ويقال: جندل بن الأحنف بن السمط، أبو نصير، أبو المقدام، وقيل: أبو بكر بن امرئ القيس، الشامي، الفلسطيني، الكندي، الأزدي، ثقة فاضل، أخرج له: البخاري تعليقًا وباقي الستة، توفي سنة (١١٢). التقريب (١/ ٢٤٨).
(٢) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (٨/ ١٠٧).
(٣) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (٨/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>