للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العينين مرتعش الأعضاء لا يستقر في الأرض كائن به وخز الأشنة وجموعه تتحادر. فقلت له: من أنت؟ قال: آبق من مولاه. قلت: تعود وتعتذر.

قال: العذر يحتاج إلى إقامة حجة، وكيف يعتذر المقصر؟

قلت: يتعلق بمن يشفع فيه. قال: كل الشفعاء يخافون منه.

قلت: من هو؟

قال: هو مولى، رباني صغيرًا فعصيته كبيرًا شرط لي فوفاني، وضمن لي فأعطاني فخنته في ضماني وعصيته وهو يراني وأحياني من صنيعته، وقبح معاملتي، فقلت: أين هذا المولى؟

قال: أين توجهت لقيت عونه، وأين استقرت قدمك ففي داره.

فقلت: أرفق بنفسك، فربما أحرقَك الخوف، فقال: احترق بنار خوفه، لعله يرض أحق وأولى.

وأنشأ يقول:

لم يبق خوفك لي دمعًا ولا جلدًا … لا شك أني بهذا ميت كمدًا

عبد كئيب أتى بالعجز معترفًا … وناره تحرق الأحشاء والكبدا

ضاقت مسالكه في الأرض من وجل … فهب له منك لطفًا إن لقيتك غدًا

فقلت: يا غلام الأمر أسهل مما تظن فقال: هذا من فتن البطالين، إنه تجاوز عني إني أنا والإخلاص والصفا، ثم صاح صيحة خرجت منها روحه، فخرجت عجوز من كهف جبل عليها ثياب رثة، فقالت: من أعان على البائس الحيران؟ فقلت: يا أمة اللَّه دعوته إلى الرجاء.

فقالت: قد دعوته إلى ذلك، فقال لي: الرجاء بلا صفا شرك.

قلت: فمن أنت منه؟ قالت: والدته، فقلت: أقيم عندك أعينك عليه. قالت: خله بين يدي قاتله عسى يراه يغير معين فيرحمه.

فلم أدر مما أعجب من صدق الغلام في خوفه، أو من قول العجوز وحسن صدقها، أجمعين.

السابعة: حُكِي أنه قيل للحسن البصري. : يا أبا سعيد هنا رجل لم نره قط إلا جالسًا وحده خلف سارية، فمضى إليه الحسن وقال: يا عبد اللَّه أراك قد أحببت العزلة، فما يمنعك من مجالسة الناس؟

قال: أمر شغلني عن الناس. قال: فما يمنعك تأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن البصري تجلس إليه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>