للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامسة عشر: قال الربيع: بتُّ أنا ومحمد بن المنكدر، (١)، وثابت البناني (٢) عند ريحانة المجنونة فقامت أول الليل وهى تقول:-

قام المحب إلى المؤمل قومة … كاد الفؤاد من السرور يطير

فلما كان جوف الليل سمعتها وهى تقول:-

لا تأنس بمن توحشك نظرته … فتمنعت من التذكار في الظلم

واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن … يسقيك كأس وداد العز والكرم

فلما ذهب الليل نادت: واحزناه واسلباه.

فقلت: بماذا؟

فقالت:

ذهب الظلام بأنسه وبألفه … ليت الظلام بأنسه يتجدد

السادسة عشر: عن بعض الصالحين قال: كنت متوجهًا من منى إلى عرفات، فلقيتني جارية عليها مسح من شعر، وقناع من صوف، وبيدها سبحة وعكاز.

وعلى وجهها نور الطاعة والعبادة، وهى مهرولة في مشيتها تقول: اللَّه اللَّه.

فقلت في نفسي: هذه جارية مدَّعية.

فقالت: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ (٣).

فعلمت أنها ولية للَّه تعالى ققلت لها: يا جارية كُلِّي بكلَّكِ مشغول.

فقالت: يا مسكين وكُلِّي بكلك مبذول، ولكن ورائي من هو أصبى مني.

فالتفت فلم أر أحدًا، فقالت بعلو صوتها يا مادي يا كذاب، ما هكذا فعل الأحباب بالأحباب.


(١) محمد بن المنكدر بن عبد اللَّه بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثه بن سعد بن تيم بن مرة، أبو عبد اللَّه، أبو بكر التيمي، المدني، القرشي ثقة، فاضل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ترجمته: تهذيب التهذيب (٩/ ٤٧٣)، تقريب (٢/ ٢١٠)،، تاريخ البخاري الكبير (١/ ٢١٩)، تاريخ البخاري الصغير (٢/ ٣٢)، الوافي بالوفيات (٥/ ٧٨)، سير الأعلام (٥/ ٣٥٣).
(٢) ثابت البناني هو ثابت بن أسلم، أبو محمد أحد التابعين بالبصرة، وكان رأسًا في العمل والعلم ثقةً ثبتًا رفيعًا، ولم يحسن ابن عدي بإيراده في كامله ولكنه اعتذر وقال: ما وقع في حديثه من النكرة فإنما هو من جهة الراوي عنه لأنه روى عنه جماعة ضعفاء وقال عنه أنس بن مالك: إن للخير أهلا، وإن ثابتا هذا من مفاتيح الخير، توفي سنة (١٢٧). تاريخ الإسلام وفيات (١٢١ - ١٣٠).
(٣) سورة المائدة (٩٩)، والنور (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>