للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: لا واللَّه لا أستغيث، فما استتم هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان، فقال أحدهما للآخر: تعالى نسد رأس هذا البئر لئلا يقع فيها أحد.

فأتوا بقصب وباريه (١)، وطمسوا رأس البئر.

فهممت أن أصيح، ثم قلت في نفسي: إلى من هو أقرب منهما، فسكت.

فبينما أن بعد ساعة إذا بشيء جاء وكشف عن رأس البئر وأدلى رجله وكأنه يقول تعلق في همهمة منه فتعلقت به، فأخرجني.

فإذا هو سبع عظيم، فمرَّ.

وهتف بي هاتف: يا أبا حمزة هذا أحسن، نجيناك من التلف بالتلف.

فمشيت وأنا أقول:

نهانى حيائي منك أن أكشف الهوى … وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف

تلطفت في أمري فأبديت شاهدي … إلى غايبى واللطف يدرك باللطف

تراءت لي بالغيب حتى كأنما … تبشرني بالغيب إنك بالكف

أراك وبي من هيبتي لك وحشة … فتؤنسني باللطف منك وباللطف

وتحيي محبًا أنت في الحب حتفه … وذا عجب كون الحياة مع الحتف

وقد أنكر بعض السلف في هذه الحكاية ما فعله الشيخ أبو حمزة المذكور وقال: لا يجوز هذا الفعل.

وليس إنكاره بصحيح، لأن أبا حمزه المذكور صدر منه هذا، وقد منح يقينا كاملا وقلبًا شاهدا، وحالا غائبا.

فعليه حاجزان (. . .) (٢) إلى غير مولاه، أو يرى معه سواه كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه اللَّه تعالى: إنا لا نرى مع الحق من الخلق أحدًا، إن كان ولا بد فكالهباء في الهواء، يشتبه فلم نجده شيئًا.

وكيف ينكر مثل هذا الحكاية على من صار فانيا عما سوى الحق صاحب قلب مشاهد، لا يرى في الملك والملكوت إلا من هو أقرب إليه من نفسه، كاشف الضر الإله الواحد.

والعجب كل العجب أن هذا الذي أنكر له شاهد في الشرع الشريف.

وذلك ما جاء أن إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام لما ألقي


(١) البَرَى: التُراب.
(٢) بياض بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>