للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تهيأنا للخروج للغزو وقد أمرت أصحابي أن يتهيأوا لقراءة آيتين.

فقال رجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية (١).

فقال غلام في مقدار خمس عشرة سنة أو نحو ذلك، وقد مات أبوه، وورَّثه مالًا كثيرًا، فقال: يا عبد الواحد ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١١١] الآية.

فقلت: نعم حبيبي.

فقال: إني اشهدك أني قد بعت نفسي ومالي بأن لي الجنة.

فقلت له: إن السيف أشد من ذلك، وأنت صبي، وأنا خائف ألا تصبر وتعجز عن ذلك.

فقال: يا عبد اللَّه أُبايع اللَّه بالجنة، ثم أعجز أنا، أُشهد اللَّه أني قد بايعته، أو كما قال عبد الواحد، فتقاصرت إلينا أنفسنا وقلنا: صبي يعقد ونحن لا نعقد.

فخرج من ماله كله، وتصدق به إلَّا فرسه وسلاحه ونفقته.

فلما كان يوم الخروج كان أول من طلع علينا.

فقال: السلام عليك يا عبد الواحد.

فقلت: وعليك السلام، ربح البيع.

ثم سرنا وهو معنا يصوم النهار، ويقوم الليل ويخدمنا ويخدم دوابنا، ويحرسنا إذا نمنا حتى انتهينا إلى دار الروم.

فبينما نحن كذلك إذا به قد أقبل وهو ينادي: واشوقاه إلى العناية العيناء المرضية.

فقال أصحابي: لعله وَسْوَس هذا الغلام فاختبط عقله.

فقلت: حبيبي وما هذه العناية العيناء المرضية؟

فقال: إني غفوت غفوة فرأيت كأنه أتاني آت فقال: اذهب إلى العناية المرضية.

فهُجم بي إلى روضة فيها نهر من ماء غير آسن فإذا على شط النهر جوار عليهم من الحُلي والحُلل ما لا أقدر أن أصفه.

فلما رأينني استبشرن وقلن: هذا زوج العيناء المرضية.


(١) سورة التوبة (١١١).
يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة وهذا من فضله وكرمه وإحسانه فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له، ولهذا قال الحسن البصري وقتادة بايعهم اللَّه فأغلى ثمنهم. تفسير ابن كثير (٢/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>