للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذه مكيدة من الشيطان، فمضيت ولم أجب، فقالت: ما هكذا كان الصالحون، فوقفت.

فجاءت فدفعت إليَّ رقعة وخرقة مدودة وانصرفت باكية.

فنظرت في الرقعة، فإذا هي مكتوب إنك دعوتنا إلى الجهاد، ورغبتنا في الثواب ولا قُدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما في ضفيرتاي، فأنفذتها إليك لتعملها قيد فرسك لعل اللَّه يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي.

فلما كانت صبيحة القتال، أخرجت الضفيرة فقيدت بها فرسي، وباكرنا الققال، فإذا بغلام يقاتل بين يدي الصفوف.

فتقدمت إليه وقلت: أنت يا فتى غلام غرّ راجل ولا آمن عليك أن تجول عليك الخيل بأرجلها، فارجع عن موضعك هذا.

فقال: أتامرني بالرجوع وقد قال ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)(١).

فحملته على هجين كان معي.

فقال: يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم.

فقلت: أهذا وقت القرض.

فما زال يلح على حتى قلت بشرط إن مَنَّ اللَّه عليك بالشهادة أكون في شفاعتك.

قال: نعم.

فأعطيته ثلاثة أسهم، فوضع سهمًا في قوسه وقال: السلام عليك يا أبا قدامة، فقتل روميًا، ثم رمى آخر فقال: السلام عليك سلام مودع.

فجاءه سهم، فوقع في عينه، فوضع رأسه على قربوس دابته.

فتقدمت إليه، فقلت: لا تنس.

فقال: نعم، ولكن لي إليك حاجة إذا دخلت المدينة فآت والدتي، فسلِّم عليها


(١) سورة الأنفال (١٥).
يقول تعالى متوعدا على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا﴾ أي تقاربتم منهم ودنوتم إليهم ﴿فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴾ [الأنفال: ١٥] أي تفروا وتتركوا أصحابكم، ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ﴾ [الأنفال: ١٦] أي يفر بين يدي قرنه مكيدة ليريه أنه قد خاف منه فيتبعه ثم يكر عليه فيقتله فلا بأس عليه في ذلك. تفسير ابن كثير (٢/ ٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>