للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلِّم خُرجي (١) إليها.

وأخبرها بأمري، فهي التي أعطتك. شعرها لتقيد به فرسك فإنها في العام الأول أُصيبت بوالدي، وفي هذا العام أُصيبت بي، ثم مات، فحفرت له ودفنته.

فلما هممت بالانصراف عن قبره، قذفته الأرض وألقته على ظهرها.

فقال أصحابي إنه غلام سوء، ولعله خرج بغير إذن أمه.

فقلت: إن الأرض لتقبل من هو شرّ منه.

فقمت وصليت ركعتين، فسمعت قائلًا يقول: يا أبا قدامة اترك وفي اللَّه.

فما برحت حتى نزلت طيور فأكلته.

فلما أتيت المدينة أتيت دار والدته، فقرعت الباب، فخرجت إليَّ أخته.

فلما رأتني نادت وقالت: يا أماه، هذا أبو قدامة ليس أخي معه.

فخرجت أمه فقالت: أمُعزيًا أم مُهنئًا؟

فقلت: ما معنى هذا؟

فقالت: إن كان مات فعزني وإن كان استشهد فهنيني.

فقلت: لا بل مات شهيدًا.

فقالت: له علامة، فهل رأيتها؟

قلت: نعم، لم تقبله الأرض، ونزلت طيور فأكلت لحمه وتركت عظامه فدفنتها.

فقالت: الحمد للَّه، فسلَّمت الخُرج إليها.

ففتحته وأخرجت منه مسحا (٢) وغِلَّا من حديد.

وقالت: إنه كان إذا جنَّه الليل، لبس هذا المِسح وغَلَّ روحه وناجا مولاه وقال في مناجاته: يا مولاي احشرني في حواصل الطيور، فقد استجاب اللَّه دعاءه.

الثالثة: عن بعضهم قال: كنت في بلاد الروم فصحبنا رجل فرأيناه لا يأكل ولا يشرب فقلت له: ما رأيتك تأكل شيئًا من القوت منذ أحد عشر يومًا.

فقال: إذًا دنا فراقي منك حدثتك حديثي.

فلما دنا الفراق قلت له: حدثنا ما وعدتنا.


(١) الخُرْج: وعاء من شعر أو جلد ذو عدلين، يحمل على ظهر الدابة لوضع الأمتعة فيه. جمعها: خِرَجة، وأخراج.
(٢) المسح: الكساء من شعر. وثوب الراهب جمعها: أمساح، ومُسُوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>