للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى: عن الشبلي قال: كنت في قافلة بالشام فخرج الأعراب فأخذوها، وجعلوا يعرضونها على أميرهم فخرج جراب فيه لوز وسكر، فأكلوا منه ولم يأكل الأمير.

فقلت: لم لا تأكل؟

فقال: إني صائم.

فقلت: تقطع الطريق وتأخذ الأموال، وتقتل الأنفس وأنت صائم.

فقال: يا شيخ اجعل للصلح موضعًا، فلما كان بعد حين رأيته يطوف حول البيت، وهو محرم كالشَّن البالي.

فقلت له: أنت ذاك الرجل.

قال: نعم ذلك الصيام أوقع الصلح بيننا.

وأنشد:

خذ من حياتك للممات نصيبًا … وتيقن السفر البعيد قريبًا

واعمل يوم ترجع الولدان من … أهواله عند القيامة شيبًا (١)

لو كنت تخشى من أمور قد مضت … لجعلت يومك للإله رقيبًا

قُم في الدُّجى واضرع إليه لعله … يعفو وثب مدامعًا ونحيبًا

واشك السقام واقرع بابه أبدًا … تجده للسقام طبيبًا

الثانية: عن أبي موسى الأشعري قال: خرجنا غازين في البحر، فبينما نحن نسير والريح لنا طيبة، والشراع لنا مرفوع إذ سمعنا مناديًا ينادي: يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى (والا سبعة) (٢) أصوات.

قال أبو موسى: فقمت على صدر السفينة.

فقلت: من أنت ومن أين أنت، أو ما ترى أين نحن، وهل نستطيع وقوفًا.

قال: فأجابني الصوت ألا أخبركم بقضاء قضاه اللَّه على نفسه؟

قلت: بلى أخبرنا.

قال: إن اللَّه تعالى قضى على نفسه أنه من عطش نفسه للَّه في يوم حار، كان حقًا على اللَّه أن يرويه يوم القيامة.

فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحرّ الذي يكاد الإنسان ينسلخ


(١) وذلك في قوله تعالى ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧)﴾ [المزمل: ١٧].
(٢) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>