للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه أيضًا من حديث ابن مسعود قال: خط رسول اللَّه خطًا مربعًا، وخط خطًا في الوسط، وخارجًا منه، وخط خُططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله مُحيط به -أو قد أحاط به- وهذا هو الذي خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراضُ، فإن أخطأهُ هذا نهشه (١) هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا" (٢).

هذا لفظه وهذه صورته.

وفيه التنبيه الدافع عن الغرور غفلته المانعة من ذكر الموت، وهو تخطي الخط الأقرب قبل خطوط الأمل البعيد فمستحضر ذلك لا يأمن هجوم الأجل في كل نفس، ثم الأجل له أسباب متكاثرة، هي الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا، فالمتيقظ لذلك لا اطمئنان له.

وروينا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلَّا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفِّندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال (٣) فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" (٤). رواه الترمذي وحسنه.


(١) روى الترمذي في سننه (٢١٥٠) كتاب القدر، باب بعد باب ما جاء في القدرية، عن عبد اللَّه بن الشخير، عن النبي قال: مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية إن أخطاته المنايا وقع في الهرم حتى يموت.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤١٧) كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله. والترمذي في سننه (٢٤٥٤) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه ما جاء في صفة أواني الحوض. والنسائي في الكبرى في الرقائق، وابن ماجه (٤٢٣١) كتاب الزهد، ٢٧ - باب الأمل والأجل. وأحمد في مسنده (٣/ ١٨)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٥٢٦٨)، والزبيدي في الإتحاف (١٠/ ٢٣٨)، والسيوطي في الدر المنثور (٤/ ٩٤) والعراقي في المغني عن حمل الأسفار (٤/ ٤٣٨).
(٣) قال القاضي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى اللَّه به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات اللَّه تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره ونهريه واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت فيقع كل ذلك بقدره اللَّه تعالى ومشيئته ثم يعجزه اللَّه تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى ويثبت اللَّه الذين آمنوا، هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار. [شرح مسلم للنووي (١٨/ ٤٦) طبعة دار الكتب العلمية].
(٤) أخرجه الترمذي في سننه (٢٣٠٦) كتاب الزهد، باب ما جاء في المبادرة بالعمل والمنذري في الترغيب والترهيب (٤/ ٢٥٠) والسيوطي في الدر المنثور (٦/ ١٣٧). ومفندا: الفند ضعف العقل والفهم والتخليط في الكلام من الهرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>