أدّى الاتجاه إلى ترتيب الأشعار وفق الموضوعات والمعانى إلى ظهور كتب المعانى، وأدى أيضا إلى ظهور كتب الحماسة، وهذا التطور استمرار لمختارات أبى تمام المشهورة (المتوفى ٢٣١ هـ/ ٨٤٦ م، يأتى ذكره ص ٥٥١)، وأول الأبواب العشرة لهذا الكتاب مخصص لأشعار فى الحماسة، ومن ثمّ فهو باب الحماسة، وربما أصبح عنوان هذا الباب فى حياة أبى تمام دالّا أيضا على العمل كله. وقد أطلقوا على «كتاب الوحشيات»، وهو المجموعة الثانية التى اختارها أبو تمام، اسم:«الحماسة الصغرى»، قياسا على الحماسة الكبرى (ديوان الحماسة)، وقد سميت كتب مماثلة فى المختارات الأدبية بنفس العنوان فيما بعد، وقد ظل هذا العنوان مستخدما أيضا فى وقت لم تعد موضوعات المختارات تشبه حماسة أبى تمام شبها يذكر، ولم يعد الباب الأول أو أحد الأبواب التالية يحمل هذا العنوان.
حماسات أبى تمام: ١ - ديوان الحماسة:
هناك خبر مقتبس متداول أن أبا تمام ألّف كتبه الخمسة فى المختارات الأدبية، ومن بينها الحماسة، وكتاب الوحشيات، أثناء قضائه الشتاء فى همذان، حيث استطاع الإفادة من مكتبة أبى الوفاء بن مسلمة (انظر شرح الحماسة للتبريزى ١/ ٥، وقارن بروكلمان الملحق. (I ,٣٩ وإذا نظرنا فى الرأى القائل بأن أبا تمام أول من أعد كتبا فى المختارات الأدبية المصنفة، جمعها من مجموعات شعرية غير مصنفة، وأنه بادر إلى عمل خمسة مختارات شعرية فى وقت قصير، لرأينا أن هذا الخبر يبدو بعيد الاحتمال إلى أقصى درجة/. إنا نجد اعتراض كلاينفرانكه على حقّ فلقد بحث الحماسة، ووجد أنه من الصعب ظهور كل هذه الأعمال أثناء إقامة أبى تمام فى فصل الشتاء فى همذان، وإنا نفكر من الجانب الآخر فى أن أبا تمام قد استطاع أن يعتمد على كتب المختارات الموجودة لديه، والمصنفة موضوعيا، فقد يسرّت له العمل، وعجّلت به، ويبدو أن أدباء العرب كانوا يعرفون مصادر أبى تمام، فثمة إشارة عند النّمرى (المتوفى ٣٨٨ هـ/ ٩٩٨ م)، وهو أحد شراح الحماسة القدامى، فقد كان يرجع بين الحين والحينإلى «كتاب المعانى» لأحمد بن حاتم الباهلى (ولد ١٦٠ هـ/ ٧٧٧ م وتوفى ٢٣١ هـ/ ٨٤٦ م)، انظر: خزانة الأدب ٣/ ٥٧٩.