إن أصول كتب طبقات الشعراء المتأخرة ترجع، فيما يبدو، إلى دواوين القبائل وكتب الأيام والأخبار والأنساب والمثالب. إن الشواهد على أن أقدم أصول هذا الضرب من ضروب التأليف يرجع إلى العصر الجاهلى قد فصلناها فى المجلد الأول من كتابنا (انظر:
ص ٢٤٤ وما بعدها)، وإن تطور التأليف فى طبقات الشعراء لا يمكن رصده على نحو كامل، وهذه هى الحال أيضا فى المجالات الأخرى للتراث العربى، ويرجع هذا لأسباب فى مقدمتها أن أقدم ما دوّن قد ضاع باستثناء القليل، وعلى أقل تقدير قد ضاعت الكتب المستقلة لهذه المادة.
إن بحث الأخبار القليلة التى وصلت إلينا يعطينا انطباعا بأن المرحلة الأولى كانت تدوين خبر الشاعر الواحد وحده بعنوان «خبر» أو «أخبار»، وإذا أراد الباحث أن يقبل أن مثل هذه الكتب عن الشعراء الكبار كانت موجودة فى القرن الأول الهجرى/ السابع الميلادى، فإن الأمر يرتبط بالضرورة بالموقف من قضية مدى تطوير تدوين التراث العربى حتى ذلك الوقت بصفة عامة، وينبغى هنا أن نشير إلى أن أبا الفرج الأصفهانى كان يملك كتابا عن الشاعريين الأمويين: ثابت قطنة، والحاجز الأزدى، وأن هذا الكتاب قد ألّف فيما يبدو فى أواخر القرن الأول الهجرى، وأوائل القرن الثانى الهجرى (انظر تاريخ التراث العربى (I ,٣٦٦ ويبدو أن أقاصيص حب الشعراء فى العصر الأموى، وفى مقدمتهم مجنون ليلى وعروة بن حزام، كانت قد اتخذت بعد وفاتهم بقليل شكل روايات الحب.
وبعد أن أصبحت الكتب عن حياة الشعراء كثيرة، ظهرت الكتب الجامعة عن ذلك، إن نشوء مثل هذه الكتب الجامعة فى وقت مبكر ثابت فى «كتاب فى الأغانى» تأليف يونس الكاتب (انظر تاريخ التراث العربى، (I ,٣٦٨ - ٣٦٩ وكان يضم ثمانية وثلاثين مغنيا، أخبارهم وأغانيهم (انظر المختار من كتاب اللهو والملاهى، لابن خرداذبه، بيروت ١٩٦١ ص ٤١)، إنه أقدم كتاب نعرفه من كتب هذا النوع، وكان أساسا لكتب الأغانى