بعد أن حاولنا فى العرض السابق، أن نوضح قضايا رواية شعر الجاهلية وصدر الإسلام، نحاول هنا أن نقدم عرضا عاما للمصادر التى ندين لها بمعلوماتنا الحالية عن الشعر العربى، إنها ليست نقوشا، ولا نكاد نعرف برديّات، بل هى مجموعات مدونة من أنواع شتى/، وصلت إلينا من العصر الإسلامى، ولأسباب متعددة ومعروفة إلى حد بعيد ضاعت أقدم الكتب المدونة فى أصولها، أو سبقتها كتب أخرى وحلت محلها. إن الكتب المتأخرة التى وصلت إلينا تشكل بدورها مجرد بقايا، حتى وإن بدت كبيرة، وقد حفظت لنا مقتبسات وقطعا تضم شعرا من التراث الأقدم. إن الثقة فى النقل عن المصادر الأقدم فى الكتب الأحدث قضية جديرة بالبحث العميق، ويبدو أن المتخصصين لم يعد لديهم شك قوى فى ذلك، على الرغم من أن الحكم على أهمية الأخبار الواردة فى المصادر العربية وقيمتها كثيرا ما كان ذاتيا محضا، وغير منهجى، يتبين هذا الشك بصفة خاصة عند النظر فى الإشارات الببليوجرافية إلى المصادر المبكرة والكتب الأوائل، إنها إشارات لم يجمع أكثرها على نحو منهجى إلى اليوم، ولم تبحث قيمتها، ومن يراعى وضع هذه الأخبار فى إطار التطور العام لتاريخ الحضارة، ويراها بالتالى جديرة بالتصديق، فإنه سوف يجد نفسه فى أحوال غير نادرة عرضة لتهمة عدم التمحيص والنقد، وذلك من جانب نقاد ينقلون بدورهم أخبارا يعتبرونها صحيحة وذلك عن تلك المصادر بالذات التى يشكون فيها، طالما كان فى ذلك ما يدعم تصوراتهم. وهذان مقياسان للنقد غير متفقين، وكلاهما يستقى معلوماته من الفهرست لابن النديم، وهو كتاب ندين له بمادة ثرية كل الثراء، تتصل بتاريخ حركة التأليف، وندين له أيضا ببدايات التصنيف النوعى لمجالات التأليف، وهو ما نحاول تطبيقه هنا أيضا فى إطار الشعر.
إن البحوث الحديثة فى الدراسات العربية لم تصل- بكل أسف- إلى رؤية واضحة فى موضوع المصادر، ولذا فليس ثمة نتيجة واضحة مركزة، وعلينا أن نعتمد فى أكثر الحالات على نتائج البحوث الأقدم التى لم تؤخذ حقّ أخذها، أو طغى عليها النسيان.