ونحن نتفق مع عرض جاير بشأن دواوين القبائل، ودواوين الشعراء اتفاقا بعيدا، ولكنا توصلنا بشأن التأريخ إلى نتائج مخالفة، اعتمادا على عرضنا السابق. وإذا كان جاير، متابعة لجولد تسهير، قد انطلق من أن الدواوين لا يمكن أن تكون قد ظهرت قبل العصر الأموى، فإنا نقول بإمكان تكوّن بعض دواوين القبائل ودواوين الشعراء فى العصر الجاهلى، وهذا الرأى تقرره المصادر التاريخية، والمصادر الخاصة بتاريخ الحضارة، وتؤكده كتب الأخبار وكتب المثالب وكتب الفضائل وكتب المناقب وكتب الأنساب وكتب الأمثال، وقد أشرنا من قبل إلى أن عمر بن الخطاب ومعاصريه فى مكة المكرمة والمدينة المنورة قد أبدوا اهتماما/ بحفظ الموروث الثقافى الجاهلى، ولا يمكن تصور هذا دون معرفة متوارثة بهذه المادة. إن جمع الشعر الجاهلى زاد بمضى الوقت، وبدأ بوعى فى عهد معاوية بن أبى سفيان (حكم ٤١ هـ/ ٦٦١ م- ٦٠ هـ/ ٦٨٠ م). فالجهود الرائدة فى المختارات الشعرية، وكتب الشعراء وكتب الأخبار الجامعة، ترجع أيضا إلى حكمه، وكانت الاهتمامات الأدبية والثقافية التاريخية تأخذ مكان الصدارة أثناء الجمع، ثم جاء فى المقام الثانى الاهتمامات المعجمية المرتبطة بتفسير القرآن. إن الجامعين الأول للشعر العربى القديم كانوا لهذا كله أدباء ومؤرخين، وبدأ العمل اللغوى الحقيقى فى نهاية القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى) وفى بداية القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، وموازاة للتطور فى مجالات العلوم الأخرى عند العرب فقد بدأ فى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) نقد الشعر، وتصنيفه فى كتب ذات ترتيب منهجى، وقد عرف النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) والنصف الأول من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) مزيدا من التهذيب، وعرف صنعة اللغويين الكبار المشاهير للمادة المتاحة على نحو منهجى.