وليس هذا من النظر في شيء؛ لأنه في نظيره في الملك الخاص ضرر فكيف صار مصلحة في المال العام (١)؟
ولا يقاس على مجالس الجامعات والمؤتمرات ونحوها لكون حضورها عملا إضافيا فوق المتعاقد عليه، فيعطى مقابله بدلا وعوضا، بخلاف مجلس النواب والشورى، فإن حضور الجلسات هو أصل العقد وموضوعه، وهو المقبوض عليه عوضٌ شهريٌ يسمى الراتب، فلا يعطى عوضا آخر تحت أي مسمى؛ لأنه بغير مقابل.
ولا يكون تصويت النواب ملزما فيما لهم فيه نفع شخصي خاص كالبدلات ومقدار الرواتب، وتمديد فترة المجلس، ونحو ذلك؛ لأن الإلزام منوط بالتصويت المتعلق بالمصلحة العامة، وليست كذلك هنا.
فيعطون أجر المثل؛ لأن الناظر على المال العام أو مال اليتيم أو الواقف لا يعطي للأجير أكثر من أجر المثل؛ لأنه ضرر.
ولو شرط عليه أكثر من أجر مثله قبل إبرام العقد حرم إبرامه؛ لإمكان تحصيل نفس المصلحة من مثله بأجرة أقل، فكانت الزيادة هدرا، وهو ممنوع، هذا في النظر للمال العام.
فإن كان في مال الشخص فيجوز؛ لأنه هبة أو إكرام، لأنه يحق للشخص ذلك في مال نفسه لا في مال غيره، خاصة المولى عليهم في الولايات العامة واليتيم والوقف ونحوه؛ لكثرة النصوص في التحذير من إنفاقها إلا للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ولا ضرورة في الزيادة على أجر المثل.
والانسحاب من الجلسات يلزم شرعا إن أدى إلى منع أمر مخالف للشريعة والمصالح العامة المعتبرة.
فإن لم يمنع كان تعبيرا عن إنكار هذا المنكر كقوله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(النساء: ١٤٠). وقوله تعالى (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(الأنعام: ٦٨).
(١) - بمعنى أن صلب المتعاقد عليه في العقود الخاصة لا يعطى البدل فيه في أصل ما هو واجب في دوامه من اجتماع ونحوه ويعطى في العمل الإضافي خارج وقت الدوام الملزم.