قلنا: إن جميع المعاوضات المالية المدنية والتجارية على وجه الأرض الأصل فيها الصحة والإباحة، ولا يحرم منها شيء إلا بأحد موانع خمسة هي: الربا، وبيع محرم بالنص، والميسر وهو القمار والغرر وهو نوع من القمار، وانعدام ركن الرضى، والضرر العام على السوق أو الدِّين أو المكارم.
فإذا طرأ مانع عليها يقينا أو غالبا منع العقد شرعا.
وقلنا «إذا طرأ» ولم نقل «إذا خلت عن الموانع صحت»؛ لوجود فرق هام بين العبارتين؛ إذ الأولى مفيدة أن المعاوضة قائمة على يقين الصحة فلا تزول إلا بمانع معتبر.
والثانية تفيد أن المعاوضة فيها موانع يجب أن تخلو منها حتى تحل.
وبهذين الاعتبارين تختلف الفتاوى والفهوم والأنظار.
وهذه الثانية طريقة خاطئة في النظر؛ لأنها مخالفة للأصل.
ولأدائها إلى إبطال أي معاملة بمجرد أن الأصل الوجود لأي اشتباه بالمنع.
فيلجأ أهل هذه الطريقة إلى البحث في عقد قديم للإلحاق به، وتحصل هنا العجائب؛ لأنه قياس على أضعف قياس وهو مجرد الشبه.
وقياس على عقد أعطي حكما شرعيا بالنص العام والأصل العام وهو الإباحة (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(البقرة: ٢٧٥)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: ٢٩)، (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)(المائدة: ٥) أي أكلا وشربا واستعمالا ومعاوضة، وكل بحسبه.
(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)(الأعراف: ١٥٧) فالخبائث محرمة في استعمالاتها والمعاوضات عليها.
وكل المعاملات التجارية داخلة تحت هذا.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم معاملات أقرها على هذه الأصول إلا الربا، وبيع الميسر، والمحرمات من خمر وميتة، وما كان عن غير رضى، أو أضر بالناس.