للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: ترك الخروج المسلح على طاعة الحاكم المصلح في الأرض.

ولو وجد منه أخطاء بقلة أو ندرة، وهو المقصود بلا شك بالنص في الحديث «السمع والطاعة في المنشط والمكره وعلى أثرة علينا» (١).

- حكم النوع الأول من الصبر:

فالأول: محرم؛ لأن السكوت العام عن الفساد العام يعود على المصالح العامة بالإبطال، وينقض الضروريات الكبرى؛ فالسكوت حينئذ تعاون على الإثم والعدوان.

ولا تُقيد بقدرة ولا عدم قدرة بالنسبة للأمة والشعب ككل؛ لأن الأمة بأسرها لا تستثنى من التكليف بدفع الفساد في الأرض؛ لأنه إبطال للشريعة.

ولا يستثنى إلا المستضعفون، وهم شريحة محدودة من الرجال والنساء والولدان (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (النساء: ٩٧ - ٩٨).

وظالمو أنفسهم هم المتعايشون مع الفساد في الأرض من حاكم أو غيره، فسماهم الله ظلمة، وأبطل اعتلالهم بالاستضعاف؛ لإمكان ترك محله كأقل إجراء جماعي سلمي؛ لأن دعوى عجز الكل محال عادة، فلم يقبل لهم الاعتذار بالاستضعاف وهم طائفة محدودة فكيف بالأمة أو الشعب! ؟ فلا حجة لهم عند الله في التعايش مع ظلم النظام وفساده في الأرض، وواجب عليهم حينئذ دفع الفساد.

ويدل إبطال عذر الاستضعاف على ما ذكرناه من قاعدة، ويمكن صياغتها بقولنا: الاستضعاف حجة لا تُسْقِط التكليف العام، أو: لا يعذر الشعب بأسره بعذر الاستضعاف.

فتحصل من هذا أنه لا تعذر الجماعة ولو في بلاد غير الإسلام بالاستضعاف، فأولى ألا يعذر شعب مسلم بأسره بالاستضعاف من حاكم عليه يدعي الإسلام وهم في عقر دارهم وبلادهم.


(١) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>