للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرضٌ أن يتعاون الناس على تحقيق ذلك؛ لأن دفع المفاسد واجب، وهذا منها.

ولأن تحقق الأمن والاستقرار والغذاء يدفع مفاسد عظيمة عن المجتمع.

ويجب الإبلاغ عن الفساد في الأرض، وفرضٌ على الدولة التجاوب، فإن قصرت أو لم تقم؛ فالواجب على أهل الحي والمجتمع القيام بإنهاء مظاهر المفاسد بالتشاور بينهم عن وسائل ذلك، فإن سكتوا أثموا جميعا وعمهم الله بعذاب (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: ٤١).

ولأن الفرض في الخطاب التكليفي بمحاربة المفاسد وإقامة المصالح وإقامة التكاليف هو -في الأصل- موجه إلى العموم العام، والدولة نائبة عنهم، فإن لم توجد، أو لم تفعل، وجب عليهم القيام بهذا الفرض.

وكيفيته: راجعةٌ إليهم بما يناسب الوقائع، فقد يفرض اختيار جماعة مفوضة من المجتمع للقيام بالفرض دائمة أو مؤقتة.

وقد يكون توقيتها أنسب، فيكون هو الأولى شرعا؛ لأنه يؤدي إلى تحقيق مصالح أكثر، وعكسه عكسه. فما كان أنسب فهو خادم المقصود الشرعي.

[المجتمع والشعائر الكبرى]

وواجب على المجتمع إقامة شعائر الله وتعظيمها، وأعظمها الصلاة والزكاة.

فالأولى أعظم صلة بين العبد وربه، والأخرى أعظم صلة مجتمعية مالية مفروضة.

ويجب على أهل الحي بناء مسجد؛ لأنه وسيلة إلى أعظم الطاعات، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ ولقوله تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: ١٨).

ومفهومه أن غيرهم لا يفعل ذلك؛ فعمارة المسجد دليل الإيمان.

وقال (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) (النور: ٣٦).

وإذنه هنا إيجاب بدليل مثله في قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: ٣٩)، ولأنه لو لم يكن إيجابا بل مباحا لاستوى حكمه مع أي بناء مباح، ولجاز للناس عدم بنائه، فدل على أن مقصود الإذن التشريع الموجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>