للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المظالم ما يتعلق بحفظ العقل كوضع المناهج التعليمية التي لا تفيد في تنوير، ولا إزالة شبهة، ولا إقامة فروض الكفاية بما يواكب العصر من: طب، وعلوم التكنولوجيا، والصناعة، والهندسة، والإنتاج المدني والعسكري، مما يؤدي إلى ضعف الأمة أمام غيرها وجعلها هدفا سهلا لأعدائها؛ فتُنْهَب الثروات، وتستعمر الأفكار والبلاد، وتسلب السيادة وترتهن البلاد في قراراتها نظرا لضعفها الشامل: السياسي، والصناعي، والعلمي، والعسكري، والاقتصادي.

[٢ - سياسة الفساد]

هناك قاعدة يمكن وضعها بالتتبع وهي: الظلم إذا صار ظاهرة عامة كان فسادا في الأرض.

فالظلم إذا كثر صار مظالم، وإذا استمرت الكثرة أصبحت عادة، ثم تحولت إلى ظاهرة ملموسة مشاهدة، وصارت حينئذ فسادا في الأرض، وقد قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: ٤١)، فاستعمل الظهور للفساد، وقد قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة: ٣٢)، فغاير بين القتل بلا حق الذي قد يحصل، وبين القتل للفساد في الأرض؛ لأن القتل العدوان يغلب عليه -عادة- تقدم عداوة، وعلته الباعثة هي الانتقام، ولذلك لا يتجاوز غير من أراد أن ينتقم منه، بخلاف من قتل عمدا وعدوانا بلا سبب، ولا عداوة سابقة؛ فعلته الفسادُ في الأرض ويغلب عليه استهداف الكافة برها وفاجرها.

فيعم الخوف والهلع، ويؤثر ذلك على تقلب الناس في الأرض لحاجاتهم، وتجاراتهم.

وحد الحرابة، ومنه قطع الطريق أشد الحدود؛ لأنه من الفساد في الأرض.

والحاصل أن الظلم يطلق في الأصل على جريمة معينة واقعة على معين لا تتعداه، فإذا وقع على غير معين بل على العموم والشيوع عمدا وعدوانا كان فسادا في الأرض.

وقد تنوعت عقوبة الفساد في الأرض وقرنت بمحاربة الله ورسوله (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>