للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسائر الوظائف العامة الشرط فيها الكفاءة وهي «القوة والأمانة» ولا نظر إلى غير ذلك في الأصل.

[العهدات الوظيفية]

ومن أعطيت له عهدة فهي: إما داخلية أو خارجية.

فالداخلية ما يستعمله من أقلام ودفاتر، وتلفون، وكمبيوترات، وطباعة، وآلة تصوير، ودباسات، وورقيات وصرفيات حال عمله في مكتبه، وهذه أمانات فلا يجوز صرف شيء منها، أو استعماله استعمالات خاصة فيما لا يتسامح بمثله مما جرت به العادات والأعراف الرسمية بخلاف كونه على جهة الاستغلال للمال العام، أو استعماله فيما لا يعفى عنه، ويتغاضى لحقارته وعدم إمكان التحرز منه، فلا يكتب بقلم المال العام ولا يطبع ولا يصور ما هو خاص به لا علاقة له بالمصلحة العامة. ومن فعل ذلك فهو غال (١)،

يقول سبحانه وتعالى (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران: ١٦١).

وأما العهد الخارجية كالسيارات مثلا، أو التلفونات النقالة، فإن أذن له في قضاء أموره بها جاز بحسب القوانين المنظمة لذلك ولا يتجاوز.


(١) - قولنا «ومن فعل ذلك فهو غال»: لأنه استعمل على عمل عام فكتم منه شيئا خيانة، والنصوص تدل على وجوب أداء الأمانات، وهذه أمانة وإن قلت (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: ٥٨) وهذا نص عام ولحديث عدى بن عميرة الكندي عند مسلم برقم ٤٨٤٨ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة». قال فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله اقبل عنى عملك قال «وما لك». قال سمعتك تقول كذا وكذا. قال «وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتى منه أخذ وما نهي عنه انتهى» ..
قال القاضي عياض في شرح حديث «من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة»: المخيط: الإبرة. وفيه تعظيم القليل من الغلول بقوله: (فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتى منه أخذ) ذلك على قدر ما يراه الإمام له، من استحقاقه في عمله أو حاجته أو سابقته.

وقد جاء أنه أباح لمعاذ قبول الهدية حين وجهه إلى اليمن ليجبر بها ما جرى عليه من التفليس، والظن بمعاذ أنه لا يقبل منها إلا ما طابت به نفس مهديه، وأنه ممن لا يصانع أحدا في حق من أجلها، فكانت خصوصا لمعاذ؛ لما علمه منه النبي صلى الله عليه وسلم من النزاهة والورع والديانة، ولم يبح ذلك لغيره ممن لم يكن عنده بمنزلته، وحذر عليه ما قدمناه. انتهى كلامه، انظر إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (٦/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>