للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن حصل بلاغ من مجهول ويمكن حدوث ما أخبر عنه للقرائن، وجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفع المفسدة قبل حصولها.

والشرع يأمر بدفع الفساد قبل وقوعه؛ لمجرد حصول خوف معتبر بوقوعه فقال (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) (الأنفال: ٥٨).

وإنما قلنا عند حصول خوف معتبر بوقوعه؛ دفعاً للخوف المجرد عن القرائن الواقعية؛ فإنه لا يُعمل به، قال تعالى (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: ٦١ - ٦٢)، فأزال مخاوفه المحتَمَلَة بخداعهم واتخاذهم الجنوح للسلم وسيلة للإعداد والغدر بالتطمين من المخاوف، ولم يكلفه العمل بموجبها مجردة.

وقال (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: ٧١)، وهذا النص كسابقه في الدلالة على عدم اعتبار المخاوف المجردة؛ فإنه طمأنه ولم يأمره بترتيب فعلٍ على الخوف من خيانتهم.

وعُلِمَ بذلك الفرق بين الخوف المجرد وهو الوهم، وبين الخوف المبني على واقعية منظورة، أو ملموسة، أو مسموعة من مصادر صحيحة اجتمعت على تأكيد وقوع الضرر.

هذا ما تجتمع به النصوص، والله أعلم.

[توثيق إقامة الحدود]

ولا يجوز توثيق إقامة الحدود إعلاميا كان مرئيا أو مسموعا؛ لأن الأصل فيها الستر، ولأن الجواز الشرعي محصور في طائفة من المؤمنين، وفي بعض الحدود كالزنى (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور: ٢).

والطائفة تصدق على واحد واثنين ونحو ذلك، ولا تحتمل العموم العام على عموم المؤمنين لأنها حينئذ فضيحة، وقصدها محرم، وبثها إعلاميا كقصد الفضيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>