للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن صح على جهة الفرض والتنزل، فمحمول عند أهل السنة والجماعة على ضرب الظهر في حدٍ أو قصاص، وفي أخذ المال من حق كزكاة، أو حكم للنفقة على من تجب عليه نفقته، أو إجباره قضاء دين، أو الحجر على سفيه، أو مفلس دفعا لفساده عن نفسه، وعن الحقوق المتعلقة به وعن الغرماء.

ولم يأخذ به علماء الأمة المعتبرون فيما اطلعت في الاستدلال على الصبر المتلفِ على حاكم مفسد في الأرض ينتهك الأعراض والأموال، واختص بإثارته وإظهاره حُكَّامٌ مفسدون في عصرنا، ولم يحمله على إطلاقه وعمومه سوى من لا تعمق له في فقه.

فإن قال به معتبر في عصرنا، فلرهبة نظامه الفاسد، أو لرغبة دنيوية، أو جهله بتنزيل الفقه على الوقائع في هذه المسألة، والثانية تسقط العدالة ويفسق بها وتبطل فتواه.

فإن لم تكن إحدى هاتين فلجهله بفقه تنزيل المسألة على الواقع، وعدم تحريه فيها وتحقيقه لمناطاتها ومقاصدها، وهي زلة عالم لا تتبع.

وعلى عالم معتبر تنبيه الناس على تلك الزلة محذرا ومعتذرا بالتي هي أحسن، فإن تبين الحق له وبلغته الحجة ونوظر فيها ولم يتراجع فسق وسقطت عدالته إن تَيقَّن أو غلب ظَنُّه أنه أخطأ في المسألة فعاند بفتواه نصرة للفساد والظلم.

وأخطأ على الخلق مدعٍ أن هذه الرواية الشاذة المُعلَّة مذهب أهل السنة والجماعة والسلف؛ لتركه أصول الشريعة ونصوصها الصحيحة في دفع الفساد في الأرض والمنكر والبغي والعدوان باليد واللسان والقلب متمسكا بواهيات لا تدفع الأصول، ولا تُعَارَض بمثلها الثوابت والصحاح ولا تؤثر في الاستدلال.

- حكم النوع الثاني من الصبر:

أما النوع الثاني من الصبر: فهو صبر الأنبياء والرسل والأئمة والعلماء والمجاهدين، وهو المقصود في قوله تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: ٣) وفي قوله تعالى على لسان موسى (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: ١٢٨) بعد قول فرعون (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي

<<  <  ج: ص:  >  >>