للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقه السياحة

يمكن أن نعرف السياحة بقولنا: هي السير في الأرض، نظرا، وترفها بالقصد، أو العرض.

وقولنا «نظرا»: شمل النظر للاعتبار، ونظر البحث.

وأصله قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: ٢٠)، فهذا للبحث والتأمل.

وقوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل: ٦٩)، وهذا في الاعتبار.

وأما السفر للترفيه فيشمله عموم الإباحة الامتنانية في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك: ١٥).

وأما السياحة عرضا لا قصدا؛ فدليله قوله صلى الله عليه وسلم «سياحة أمتي الجهاد» (١).

ومعلوم أنها مع الجهاد عارضة لا قاصدة.

وقد ذكر الله ذلك بقوله (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ) (التوبة: ١١٢) وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالمجاهدين.

وقال في الآية (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) (التوبة: ٢)، ومعناه حرية التنقل في هذه المهلة (٢).

[تأمين السياح وحرمة إيذائهم وخطفهم]

والسياح إذا دخلوا الدولة بطرق رسمية فهو أمان لهم وإن كانوا كفارا ومشركين من أهل الكتاب أو غيرهم.

حتى ولو كانوا من دولة معادية محاربة، فإعطاؤهم تأشيرة الدخول تأمين لهم، فلا يجوز الغدر بهم ولا إخفار ذمتهم التي أعطيناها لهم؛ لعموم «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى


(١) - الحديث في سنن أبي داود برقم ٢٤٨٨ عن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة. قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى». قلت: وسنده حسن. وصححه الحاكم برقم ٢٣٩٨، وصححه الذهبي.
(٢) - وهي نازلة في شأن إخراج المشركين من جزيرة العرب وإمهالهم أربعة أشهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>