للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تبديل المال العام]

ويحرم تبديل المال العام بالخبيث (وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) (النساء: ٢).

ولا يبدل مطلقا، ولو بالطيب؛ لأن التبديل هو معاوضة في معنى البيع والشراء، ولا يصح إلا إن كان الأحظ للمال العام في الربح بغبطة ظاهرة.

وهذا لا يكون في التبديل؛ لأن المقصود الغالب منه تحصيل منفعة من بدل ماله، لا تحصيل مصلحة المال العام.

فيكون بيعا ظاهرا، وحيلة خبيثة باطنةً.

وكل حيلة أدت إلى مناقضة أحكام الشرع فهي منقوضة باطلة.

سرقة المال العام واختلاسه ونهبه من كبائر الذنوب:

ويحرم سرقة المال العام، ويعزر فاعله، ويضمن ما سرقه، وفي الحد قولٌ صحيح أنه يدفع؛ لشبهة شيوع حق عموم الناس فيه، والحدود تدرأ بالشبهات (١).

والمختلس كالسارق في الحكم تضمينا وتعزيرا لا حدا.

والفرق بينهما: أن المختلس يأخذ خلسة مما تحت يده من المال العام، بحكم وظيفته بخلاف السارق، فهو أجنبي عن ذلك.


(١) - قولنا «تدرأ الحدود بالشبهات» هذه قاعدة إجماعية، وفيها حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح طريق له هي في مسند أبي حنيفة عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات». وسنده حسن. وأخرج الترمذي برقم ١٣٤٠ من حديث عائشة «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم». وفيها يزيد بن زياد الدمشقي متروك. إلا أن الحاكم في المستدرك برقم ٨٢٤٩ جعله يزيد بن زياد الأشجعي، وإذا كان هو فهو ثقة، ولذلك قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد تعقبه من تعقب وحملوا على أن يزيد بن زياد في السند هو الشامي وليس الأشجعي. قلت: وهو مروي عن ابن مسعود «ادرءوا الحدود عن عباد الله» وفي رواية «ادرءوا الحدود والعقل عن المسلمين ما استطعتم» وسنده جيد (إتحاف الخيرة برقم ٢٨٠٨). وهو في مصنف عبدالرزاق كذلك برقم ١٣٢٥٦. وكذلك هو مخرج عن عمر عنده برقم ١٣٢٥٧. وهو قول إبراهيم النخعي كما في ابن أبي شيبة برقم ٢٧٩٣٤. أما الحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة ففيه متروك. قال ابن عابدين نقلا عن فتح القدير في الأشباه والنظائر صـ ٢٧: أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات والحديث المروي في ذلك متفق عليه وتلقته الأمة بالقبول.

<<  <  ج: ص:  >  >>