ولا يقال: إن رَضِي المالك صح ولو بضرر؛ لأن هذا العقد في ملك الشعب؛ ومعرفة رضاه بالضرر متعذرة، ولا ينوب عنه مجلس النواب في الرضا بالضرر؛ لأن نيابتهم موقوفة على المصلحة الغالبة، وهي منتفية هنا.
لذلك يقطع بمنع تصرف الولاة ونواب الشعب إلا في المصلحة العامة: محضة، أو غالبة ظاهرة؛ لتعذر معرفة رضا كافة الشعب بالضرر في كل مسألة فقطع هذا الباب البتة بقاعدة «تصرفات الولاة منوطة في المصلحة».
وقولنا «ظاهرة»: قيد مهم حتى لا يُدَّعى حصول المصلحة مع عدم ظهورها؛ لأنها حينئذ وهم أو خطأ أو حيلة على المال العام.
والعقد إن أمضى مع الضرر الفاحش من متنفذين فاسدين من الولاة، فهو لا يلزم الشعب، ويجب إنكاره، والسعي لمنعه بكافة الوسائل رسمية وشعبية سلمية.
ويفسق من أنفذ العقد، ويجب مقاضاته، وعزله؛ لخيانته أعظم الأمانات.
فإن جاءت حكومة أخرى فالعقد غير لازم لها، ويجب عليها منع استمرار العقد إلا بتعديل سعر البيع بمثله.
وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(الحج: ٤١)؛ لأن ثروات البلاد كالنفط والغاز والذهب والمعادن وغيرها ملك عام، والضرر فيها من المنكر العام، وإزالة المفاسد العامة من أول ما يجب على الدولة.
بل وتقدم على جلب المصالح؛ لاجتماع المقصدين فيها؛ لأن دفع المفسدة العامة هو جلب للمصلحة العامة.
[الإقراض من المال العام]
والإقراض للمواطنين من المال العام إن كان بآلية مُنظَّمة مضبوطة قائمة على المصلحة العامة وعدم الإضرار بالمال العام، مقرة من جهة النواب؛ فهي جائزة، بل قد تشرع وجوبا؛ لدفع الحاجة عن أهلها مع وفرة مال؛ لأنها من المصالح العامة، وهي من الرفق بالناس.