للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن المسألة في المعاملات أصلها على الإباحة، فإن جاء معارض ناقل عارضه أصل مبق على الأصل زائد على مجرد الإباحة كما هنا، قدم: لأن المبقي على الأصل أولى حتى يقطع بما يزحزحه عن يقين الإباحة الأصلية وعواضدها.

وهاهنا تعارض أصل الإباحة الأصلية مع ناقل وهو: أي قرض جر نفعا؛ فضعف الناقل لكثرة استثناءاته، وعضد الأصل بأصول الأمر بالتعاون والإحسان.

وبقي النص الناقل لحالة متيقنة واحدة لا ترد هنا، وهي القرض مع شرط رده وربح زائد عليه.

فهذا هو اليقين من تأويلاته وغيرها ضعيفة.

وهذا التأويل اليقيني لا يرد هنا في مسألة جمعية الموظفين.

[الوظيفة في بلاد الكفار]

والوظيفة في البلاد غير المسلمة جائزة؛ لعموم أصل الإباحة، ومن ادعى المنع فعليه بالدليل الصحيح الصريح الخالي من المعارضة.

والنهي عن الإقامة بين ظهراني المشركين كان للإلزام بالهجرة إلى المدينة، فلما فتحت مكة رفع الإلزام بـ «لا هجرة بعد الفتح» (١)، ويحمل المنع بعدها على حالة الحرب؛ لإمكان إصابة مقيمين من المسلمين، ولأنه -أي المقيم- ناقص النصرة، لا نصرة له في حالة استنصاره وهو في بلد معاهدة (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) (الأنفال: ٧٢).

وهذه من علل النهي عن الإقامة.

وقد كف الله أيدي المؤمنين عن مكة؛ لأجل المقيمين من المسرين بالإسلام (وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء) (الفتح: ٢٥)، والعلة هي (فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الفتح: ٢٥)، وهذه تبعة، فنهى عن الإقامة تبرئة للذمة في مثل هذه الحالات.


(١) - حديث «لا هجرة بعد الفتح» متفق عليه عند البخاري برقم ٢٧٨٣، ومسلم برقم ٤٩٣٦، وكلاهما من حديث ابن عباس، وفي الباب أحاديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>