للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النظام المالي الرابع: نظام الإنفاق وتوزيع الثروة]

الإمكانات المسخرة في السماوات والأرض للإنسان موضوعة على السواء (سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) (لقمان: ٢٠)، (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: ٢٩).

والمعيشة على الأرض مقسومة (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الزخرف: ٣٢).

والمعيشة معناها مصادر العيش؛ فكل يعمل في مجالٍ؛ فمنهم المعلم ومنهم الصائد ومنهم المزارع (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، أي في المعيشة حيث تكون بعض الوسائل أرفع رفاهية واقتصادا من بعض، وهذا هو معنى (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ) (النحل: ٧١).

وعلة القسمة هذه (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: ٣٢)، أي ليكون بعضهم مسخرا لخدمة الآخر.

فالعلة لقسمة المعيشة لا لرفع الدرجات فقط أو لكليهما (١).

فالمعيشة مقسومة بين الخلق، وبعضهم أرفع درجة من بعض في ذلك؛ لاختلاف الأسباب، ولتحقيق حكمة إلهية في احتياجهم لبعض، سواء في ذلك الشعوب، والقبيلة، والمجتمع، والأسرة.

ولم تجتمع وسائل المعيشة كلها لأحد على وجه الكمال، ولن تجتمع إلا في الجنة، كما أن موارد الشقاء لا تجتمع إلا في النار (٢).


(١) - وهذه القسمة اعتيادية بحسب الزمان، والمكان والجغرافيا، ففي بلد بحرية يكون للصيد فيها رتبة وللثروة البحرية درجة على دولة ليس فيها بحر ولا ثروة. وأخرى فيها ذهب، وأخرى نفط وغاز، وفي بلد الثروة الحيوانية، وفي بلد الثروة الجغرافية والسياحية، وفي بلد العلمية، وفي بلد الثروة الدينية، ولكلٍّ درجات.
(٢) - فاقتضت المشيئة الإلهية احتياج البشرية بعضها لبعض إجبارا مهما علت درجاتهم المعيشية. فلا بد أن يكون الشخص تسخيرا لآخر يعمل معه ضرورة بالنظر الكلي العام، أو بالنظر الجزئي الخاص حيث يكون شخص موظفاً لآخر؛ فيفرض على ذلك معيشة للآخر بهذا الإجبار، ويفرض على الآخر تقديم ما عنده للآخر إجبارا للتعايش. هذا هو فقه الآية، ومن فهمها على غير هذا الوجه فقد زلت قدم فهمه. فهذا التوزيع التسخيري إجباري على البشرية جميعا؛ ليحتاج بعضهم لبعض.

فالإجبارية المعيشية هي التخصص المعيشي الذي لا يوجد عند الآخر؛ لعلة بقاء الحاجة بين الخلق؛ ليجري بينهم التعامل السلمي طلبا للحاجة المعيشية التي ليست عنده. فبلد توفر الضروريات، وبلد توفر الحاجيات، وبلد توفر الترفيهيات، ولا توجد هذه الثلاثةُ مجموعةً كلها في بلد، بل تحتاج لغيرها في ذلك. وهكذا الشعوب، والقبائل، والأسر، والأشخاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>