للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم لغة أنه يفيد العمل في الحال باستمرار المستقبل فيه؛ لأنه لو انقطع لذكره بالماضي الذين أفسدوا ولم يصلحوا.

فدلت الآية على أن من غلب على أمره الفساد في الأرض حرم طاعته مطلقا لعموم (أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) في سياق النفي، أي: أي شأن من شأنهم قولا، أو فعلا صراحة، أو دلالة.

فإن قيل: كيف نزلت الآية في الحاكم؟ فجوابه أن الطاعة للأمر لا تكون إلا لمن له الأمر من أولي الأمر في الأنواع الخمسة.

والحكام داخلون في من لهم الأمر دخولا أولياً بالضرورة العادية، والعقلية المتبادرة، والشرعية.

وهذه الآية (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: ٥٩) عامة في كل أولي الأمر، وآية (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (الشعراء: ١٥١ - ١٥٢) خاصة استثنت من الطاعة من كان من أولي الأمر مفسدا في الأرض.

وقلنا: «خاصة»؛ لأن الصفة أخص من الموصوف؛ لأنها بعض صفاته؛ فوصف أولي الأمر بالعادل أو المفسد بعض صفاته فهي أخص حتى لا يقال إن الآيتين عامتان.

بل إن الطاعة أخص صفة متعلقة بأولي الأمر تعاملا معه، فأمر في آية بالطاعة ونهى في آية عن طاعة المفسد فهذا أخص.

فيكون الأمر بطاعة أولي الأمر مخصوصاً بالعدل العادل، لا كافراً، أو عاملاً بعمل المنافقين، أو مفسداً في الأرض.

[المسألة الثالثة]

لا طاعة لمن لم يقم كتاب الله، وهذا منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم «اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله» وهو في صحيح مسلم (١).

وإقامة كتاب الله هي إقامة أحكامه كالأمر بالعدل والإحسان، وترك البغي والظلم والفساد، والدعوة لجمع الكلمة وحفظ الكليات الكبرى: الدين والعرض والنفس والمال والعقل


(١) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>