للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقامة الحجج قبل المساءلة والمعاقبة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: ١٥)، وهو كمال العدل، والله أمر به (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: ٩٠).

ويجعل مكانه البديل عنه؛ لأنه استحق أولوية بالسبق مع الكفاءة، ولأن من سبق إلى مباح فهو أولى به (١)، وهذا أصل عام دلت عليه نصوص وتصرفات في الشرع، فيدخل فيه كل مباح في الأصل، وعقد الوظيفة مباح؛ فأثر في استحقاق الحكم بالسبق مع شرط الكفاءة.

[الركن الرابع: الطالب]

حق التعليم مشروع لذكر وأنثى؛ لعموم النصوص الطالبة للعلم والتعلم وما تعلق به.

فتعم عموما ثلاثيا: عموم الأشخاص، والزمان، والمكان. كما هو مقرر في الأصول.

والدفع بالطالب ذكراً وأنثى للمدارس التعليمية مطلوب شرعي وسيلي على الآباء والدولة والمجتمع؛ لأنه ما لا يتم المطلوب الشرعي إلا به فهو مطلوب.

وطلب العلم مطلوب، ووسيلته الهامة الدفع بطلابه إليه من الأسرة والمجتمع والدولة، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد.

[الحملة الإعلامية للتعليم والنفقة التعليمية]

ويحسن حملة إعلامية حاثة على التعلم، خاصةً بداية كل عام، وفصل دراسي، وبداية الاختبارات، وتتولى نفقة ذلك الدولة؛ لأنها من وسائل خدمة المصالح العامة الهامة، فكان من المال العام؛ لأن من مقصوداته إقامة مثل هذه المصالح العظيمة.

ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاوض عن المال مصلحة تعليمٍ للأميين: القراءة والكتابة.

وهذه قصة صحيحة مشتهرة وقعت بعد غزوة بدر (٢)، فاعتبر التعليم للناس مصلحة


(١) - «من سبق إلى مباح .. » قلت: له أدلة كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم «من أحيا أرضا ميتة فهي له» وهو حديث صحيح على شرط الشيخين، أخرجه الترمذي برقم ١٣٧٩، وقال حسن صحيح. ومنها عند البخاري برقم ٢٣٣٥ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق».
(٢) - قولنا «وهذه قصة صحيحة مشتهرة .. » قلت: أخرجها الإمام أحمد برقم ٢٢١٦ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. قال: فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي. قال: الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدا. قلت: هذا حديث حسن صحيح، وسند أحمد فيه علي بن عاصم مُخْتلَف فيه، وقد كان أحمد يقول: أما أنا فأحدث عنه، ومرة يكتب حديثه، ومرة يغلط ويخطئ ومرة هو والله عندي ثقة، ووثقه العجلي، وقال الحافظ صدوق يخطئ ويصر رُمي بالتشيع. قلت: يغني عن طريقه رواية الحاكم للحديث من طريق خالد بن عبدالله الطحان وهو ثقة حافظ من رجال الشيخين. فالحديث صحيح من هذه الطريق، وهو شاهد لطريق أحمد لأن ما نُقِمَ على علي بن عاصم هو الغلط والإصرار، وقد ارتفع هنا بموافقة الثقات له.

<<  <  ج: ص:  >  >>