[التوزيع العادل للمال العام ومراعاة الشرائح الضعيفة]
وما يوزع من المال العام بين الناس، يجب أن يكون بالعدل، فيعطى بحسب الحاجة، وإذا تساوت الحاجة أو تقاربت تساوى العطاء، وإن تباينت تباين العطاء بحسب ذلك.
ويُقَدَّم الفقير والمسكين المتربة ممن لا مصدر له للدخل، لا بعمل يشتغل به؛ نظرا لانعدام الأعمال ووفور البطالة، أو لعجز في بدنه، ولا بكافل يكفله وينفق عليه.
ودليله أن الفقر والمسكنة جعلهما الله عمدة في علل الإنفاق.
ويقدم من هؤلاء صاحب العيال، وكذا الضعفة من النساء والمسنين والمعاقين واليتامى والأطفال، وكذا الضعفة من الرجال في بدن أو عقل أو عيٍّ.
ودليل ذلك: أن الله خص في يوم المسغبة والمجاعة مسكينا ذا متربة، مراعاة لشدة حاجته.
وقرنه باليتيم؛ لأنه مثله غالبا؛ لعدم الكافل.
فهذه المراعاة تدل على اعتبار شدة الحاجة علة في التقديم.
ويُغاث المتضررون جراء الكوارث أو الحروب من النازحين والماكثين، ويقدم الأشد تضررا في إسعافه وإغاثته، ثم الذي يليه، ثم هكذا حتى تعم سائر أهل الضرر؛ لأن دفع الضرر واجب، والأشد أوجب.
ويراعى في التوظيف مع المؤهل جانب الحاجة؛ لأنها علة مرعية في الإحسان، والعطايا، وفرض الصدقات.
فالإحسان كقوله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) (النساء: ٣٦) فراعى أصحاب الحاجات من اليتامى والمساكين.
وفي العطايا قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢١٥).
وكذا في الفيء والغنائم وفرض الصدقات.
والوظيفة العامة إحدى علتيها: سد الحاجة للموظف وهو من أعظم الإحسان، والأخرى طلب الكفاءة للإحسان في المصلحة العامة.