للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعطلت إمكاناتهم، وأصبحت المعركة دائرة على استنزاف القوى، ولا شك أن ذلك أثر في معسكر الأحزاب تأثيرا بالغا فاستنزف المؤن التموينية طعاما وشرابا للمقاتلين وللمراكب الحربية من خيل وأبعرة.

وأوقع ذلك بينهم التلاوم والخوف؛ مما هيأ للجهد المخابراتي لمعسكر الإسلام في الوقيعة بينهم، وتفكيك حلفهم بأمرٍ واطلاعٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم (١).

[جمع الكلمة]

أما الشرط الثاني للقتال في سبيل الله فهو جمع الكلمة ووحدة الصف وعدم الفرقة والتنازع.

فإذا تفرقت الكلمة تفرقا يعود على المقصود من القتال في سبيل الله بالضرر والإبطال، انتظرنا عن بدء مباشرة القتال؛ لوجوب إزالة هذا المانع مع استمرار الإعداد.

والدليل على أدائه إلى خلاف مقصود الجهاد في سبيل الله قوله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: ٤٦) والفشل وذهاب الدولة والهيبة من أعظم المفاسد (٢).

[القوة المالية]

أما اشتراط القوة المالية المستطاعة لوجوب الجهاد فدليله قوله تعالى (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء


(١) - قولنا «مما هيأ للجهد المخابراتي .. » فيه قصة نعيم بن مسعود وتخذيله وهي قصة صحيحة مشهورة في السير وأخرجها عبدالرزاق (٥/ ٣٦٧) وفيه: إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمنه الفريقان كان موادعا لهما فقال إني كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم فلعلنا أمرناهم بذلك وكان نعيم رجلا لا يكتم الحديث فقام بكلمة النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عمر فقال يا رسول الله إن كان هذا الأمر من الله فأمضه وإن كان رأيا منك فإن شأن قريش وبني قريظة أهون من أن يكون لأحد عليك فيه مقال فقال النبي صلى الله عليه وسلم علي الرجل ردوه فردوه فقال انظر الذي ذكرنا لك فلا تذكره لأحد فإنما أغراه فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان فقال هل سمعتم من محمد يقول قولا إلا كان حقا قالا لا قال فإني لما ذكرت له شأن قريظة قال فلعلنا أمرناهم بذلك قال أبو سفيان سنعلم ذلك إن كان مكرا فأرسل إلى بني قريظة أنكم قد أمرتمونا أن نثبت وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم فأعطونا بذلك رهينة فقالوا إنها قد دخلت ليلة السبت وإنا لا نقضي في السبت شيئا فقال أبو سفيان إنكم في مكر من بني قريظة فارتحلوا.
(٢) - وهذا دليل على التعليل للحكم التحريمي بترتيب المفاسد. والملاحظ أن الأحكام السياسية وأحكام الدولة كثيرا ما تبنى في القرآن والسنن على هذا التعليل تنبيها لنا على أنه ركيزة للحكم الشرعي في هذه الأبواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>