للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان القضاء قويا مستقلا ففرض عليه شرعا أن يستدعي الحاكم ويسائله.

ولما كان لا بد للعصابة الحاكمة أن تستدعى قضائيا؛ فإنها تسعى لاجتثاث القضاة الحاكمين بالحق والعدل، بالتقاعد، أو التغيير، أو الترقيات إلى مناصب غير فاعلة، وفي أحسن الأحوال قد يبقى القضاء على قوته لكن على غير النافذين.

وهذا الأمر من معايير صلاح أو هلاك وفساد الأمم «إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» (١).

ويمارس النظام الفاسد العصابي ضم مجموعة من القضاة إلى دائرته، وإسكات أخرى والتنكيل بضعفاء عبرة للغير.

ويتعمد اعتماد رواتب للقضاة غير كافية لهم ضمن سياسة عامة للامتهان والإذلال، بمحاربة الأرزاق.

ويتعمد الحاكم ونظام العصابة في تنفيذ الأحكام القضائية إظهار إضعافها بعدم حماية الجهات التنفيذية لتنفيذ الحكم كثيرا خاصة على النافذين والموالين، ومن يود شراء ولائهم.

وأول ما يستهدف من الدولة في ظل سياسة العصابة المؤسسة الأمنية والعسكرية، والمالية، والإعلامية، فالأولى لضمان حمايته وقمع صوتٍ من الشعب يقف أمام فساده.

ثم المال لشراء الولاء وخدمة النفوذ، والإعلام لقلب الحقيقة وتحسين صورته للشعب.

ثم يستهدف المؤسسات القانونية كنواب الشعب، ثم السلطة القضائية.

ثم يضرب الحياة الاجتماعية فيُشَيِّع ويفرق الشعب على أساس مناطقي وطائفي وقبلي.

ويضرب الحياة السياسية بقمع الحريات الصحفية والإعلامية لحماية النظام بحجة فرعون (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر: ٢٦).

ويتعامل الحاكم مع القيادات النافذة في العصابة بما لا يقويهم مطلقا فينفردون عنه، بل تظل مصالحهم، ومن هو مرتبط بهم أسريا، أو اجتماعيا، أو اقتصاديا، أو سياسيا في يده.


(١) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>