للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانت الخطابات ووعودها كذبا، كان تغريرا على الشعب وغشا، وكانت تخديرا له، وقلبا للحقائق عليه بما يمكن للحاكم الفاسد من خلال هذه السياسة تحسين صورة النظام وإيجاد موافقين وأنصار وجماهير غفيرة من الشعب يقفون أمام من يوضح لهم الحقائق على وجهها ويصطدمون ببعضهم.

ويحصل بالكذب الرسمي نقض العهود والمواثيق والوعود وإيجاد المشاريع والخطط الوهمية لاستنزاف المال العام، وهذا كله من الغش للرعية، وفي النص «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» (١).

وواجب على أهل الحل والعقد محاسبة الحاكم على كذبه على الشعب وتضليل الرأي العام وتزييفه الحقائق.

وقد ذمهم الله أبلغ ذمٍ وسماهم المفسدين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة: ٢٠٤ - ٢٠٦).

وللشعب مقاضاته على ذلك ليرى فيه القضاء حكم الشرع، من تعزيرٍ أو إيقاف أو عزل بما يناسب الحدث والوقائع، وما ترتب على كذبه من مضار ومفاسد.

وإذا تبين كذب الحاكم حرم تصديقه وإعانته، ويفسق من فعل ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم «فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض» (٢).

وواجبٌ على الصحافة والإعلام بيان الحق المتعلق بكذب الحاكم؛ لأنه من النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمنع من ذلك دليل، بل الأدلة على عمومها في ذلك.

ويجوز الجهر بذلك لقوله تعالى (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (النساء: ١٤٨).


(١) - أخرجه مسلم برقم ٣٨٠ من حديث معقل بن يسار.
(٢) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>