للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو الأصل الشرعي، ومن أفتى بجواز ذلك لمضطر لبناء مسكن، أو شراء سيارة جَعَلها استثناءً على خلاف الأصل، بعلة الاضطرار قياسا على النص (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة: ٣).

وهو قياس مع الفارق؛ إذ الاضطرار في النص لحفظ ضروري لا يدفع عنه التلف إلا بذلك، فجاز أكل الميتة؛ لدفع الموت جوعا ولحفظ ضروري ولعدم بدلٍ يحفظ به من التلف إلا بذلك، بخلاف المسكن فهو مع كونه حاجياً ينزل منزلة الضروريات تدفع ضرورته بالاستئجار، وكذا السيارة، فافترق الفرع عن الأصل المقيس عليه.

فإن لم يوجد السكن بعقد الإيجار ولا التبرع، وكذا الركوب استوى القياس وجوزت المسألة.

وعلة الحاجة لمسكن أو مركب كانت موجودة زمن الصحابة حال نزول هذه الآيات، ولم تستثن.

كما لم تستثن حاجة الأيتام لتخليل الخمر (١).

ونزل تحريم الربا وكان الاقتراض الربوي لتجارة، أو لحاجة ضرورية، أو حاجية كبناء مسكن، أو شراء مركب موجوداً، وإنما نزل فيه ولم يتسثنه.

ولذلك لا يُدْفع حد السرقة عمن سرق لعلة بناء بيت أو شراء سيارة، بخلاف دفع الحد لشبهة دفع الهلكة جوعا.


(١) - قولنا «لم تستثن حاجة الأيتام .. » الحديث أخرجه أبو داود برقم ٣٦٧٧ من طريق وكيع عن سفيان عن السدي عن أبي هبيرة عن أنس بن مالك «أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا. قال أهرقها. قال أفلا أجعلها خلا؟ قال لا».
قلت: هذا سند حسن، والسدي هو السدي الكبير إسماعيل بن عبدالرحمن المفسر، روى له مسلم، واختُلِف فيه، وقد وثقه أحمد ومرة حسّنَه، والنسائي قال صالح ومرة ليس به بأس، وقال الذهبي حسن الحديث، وقال أبو حاتم لا يُحتَج به، وقال القطان لا بأس به. وخلاصة القول فيه أن حديثه يُحسَّن. وقد أخرجه أحمد عن وكيع كذلك. وأورد له ابن عبدالبر في التمهيد شاهدا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهرقها. وهذا الشاهد مخرج في سنن الترمذي برقم ١٢٦٣ وفيه مجالد بن سعيد ضعيف. وتصحيح الترمذي له وتابعه الألباني هو لشواهده ومتابعاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>