للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقابل بإحسان راتبه ووضعه المعيشي الذي يدفع عنه الحاجة والفاقة.

ولأن الجندية عمل بإجارة؛ فهي معاوضة، ويحرم في المعاوضات الغبن، فإن كان فاحشا بطل العقد أو أُبْطِل المسمى من العوض ورُجِعَ إلى أجر المثل.

والثاني هو ما يمكن إجراؤه في وظيفة الجندي، فَيبْطُل المسمى من الراتب المعين، ويُنظَر إلى راتب أمثاله في الدول العادلة، ويُعطى الوسط إن استطاعت الدولة، أو يعطى الحد الأدنى من أجر المثل، لا ضرر ولا ضرار.

وإذا تقاعد أو استشهد أو جرح فأعيق؛ أعطي راتبه بلا خصم مُخْرِج له عن العدل والإحسان إلى البخس والإساءة والجور؛ ولأن العقد المبرم منصوص فيه بقاء الراتب في هذه الحالات؛ ويجب الإيفاء بالعقود.

ولأن الخصم المجحف ظلم، وهو محرم يخرج منصوص العقد في بقاء الراتب عن مقصوده، ولأن عدم دفعه دفعا معتبرا في تلك الحالات مؤد إلى عزوف الناس عن الجندية، أو التردد وقت القتال، وهذه علة معتبرة عند الفقهاء في القول ببقاء راتبه إن استشهد (١).

ولأن الشرع قصد إكرام المجاهد في الدنيا والآخرة ففرض الغنائم، وشرع «من قتل قتيلا فله سَلَبه» (٢)، وفَرَضَ النفل (٣)، وفَرَضَ لمن خرج بفرسه فوق من خرج ماشيا (٤)، ومن حضر المعركة بلا قتال يرضخ له (٥).

وشَرَع المعاوضةَ بالمفاداة لمن بيده أسير (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) (محمد: ٤)، وما عند الله أكبر؛ فدل هذا التعامل الشرعي على قصد الشرع إكرام المقاتلين في سبيل الله،


(١) - ذكره ابن قدامة في المغني في كتاب الجهاد.
(٢) - تقدم تخريجه.
(٣) - قولنا «وفرض النفل» فيه ما أخرجه مسلم برقم ٤٦٦٤ عن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك واجب كله.
(٤) - قولنا «وفرض لمن خرج بفرسه .. » لحديث أخرجه البخاري برقم ٤٢٢٨ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما قال فسره نافع فقال إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم فإن لم يكن له فرس فله سهم.
(٥) - حديث الرضخ أخرجه مسلم برقم ٤٧٨٧ عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>