إلى عمله والرجوع إلى منزله باستمرار لا يقطعه إلا الموت، أو المرض المقعد، أو التقاعد بعد عشرين أو ثلاثين سنة، وهو عامل في المصلحة العامة.
فإن كان راتبه المعاوض به لذلك لا يوفر له طوال هذه المدة بناء سكن بأدنى مستوياته، ولا ملبس يليق به ولا بعياله، ولا أثاث كريم، أو تعليم له ولأولاده في مراحله الأساسية والثانوية، أو في مراحله الجامعية والعليا، ولا يستطيع به رعاية صحية لنوازل المرض في نفسه وأهله، ولا امتلاك سيارة للقيام بحاجياته، بل يظل محتاجا طوال شهره ودهره مدينا لا للترفهات؛ بل لتوفير المواد الغذائية الضرورية له ولأسرته.
فهذا الوضع حيث كان، وأينما كان في دولة مسلمة أو كافرة وضعٌ مخالف لمقصد الشريعة في تكريم الإنسان وإيتائه حقوقه بالعدل، والله سبحانه يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(النحل: ٩٠).
ويقول (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)(الرحمن: ٦٠).
فالموظف معلما كان أو غيره، قائم بإحسان في دوامه خدمةً للمصلحة العامة وللدولة، عمرَه وشبابَه؛ يجب في حقه معاوضته في راتبه بإحسان مقابل إحسانه.
ويعدل معه كأمثاله الوسط في مجتمعات العالم، وهذه هي أجرة المثل العادل، بخلاف الذي يماثله في المظلومية، أو يكون أكثر منه مظلومية، فهذا لا يقاس عليه.
فوجب تعديل قوانين الرواتب؛ لتكافِئ بتوسط حاجيات وضروريات وتحسينات الموظفين، فإن لم يكن ذلك كذلك فهو غبن فاحش محرم، وظلم ممنوع، وانتهاز للناس وجهودهم بغير عدل ولا إحسان.
ويحق للموظفين في الدولة ونحوهم من القطاعات الخاصة إقامة النقابات للمطالبة بحقوقهم وتسوياتهم؛ لأنه تعاون على البر والتقوى المشمول بعموم النص (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)(المائدة: ٢).