للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجب عيناً على مسلم قادر له فضل سكن، واطلع على وضع أسرة بلا سكن أن يؤويها إن لم يقم به غيره، ويكون الإيواء مدة مؤقتة لدفع ضرر الاضطرار؛ لأن الدوام ضرر بالمتبرع إلا إن رضي أو استمر الاضطرار ممن آواهم واستمرت قدرته على إيوائهم؛ ولأن هذا هو ابن سبيل، وابن السبيل مؤقت لا دائم.

وسواء كان هذا الفرد أو الأسرة موافقا في الدين أم مخالفا؛ لأن دفع الضرر الواقع والمتوقع عن الأنفس والأعراض والأموال واجب مطلق لا يُقَدَّرُ بمن يوافق في الدين، وذلك لعموم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: ٩٠)، ولقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: ٨). فهذه إباحة، والأُوْلَى أمرُ.

ولعموم الأمر في (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء: ٣٦).

فلم يخصص مسلما عن غيره.

ووصْفُ ابن السبيل يشمل من لم يجد مأوى، كان فردا أو أسرة؛ لأن السبيل هو الطريق: وهذا مثله.

فوجب بنص الآية الإحسان إلى ابن السبيل، ولا إحسان مع تركه في الشارع مع ولده وأسرته أو حتى منفردا، بل هو من الإساءة والمخالفة لنص الأمر بالإحسان.

وفي هذا الباب شرعت العمرى والرقبى وهو: أن يهب رقبة البيت لآخر ولأسرته مدة عمره، أو مدة معينة عارية، وقد شرعها الله وبين أحكامها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (١).

وهل هو تمليك؟ خلاف.

والذي يظهر من خصوص هذا الدليل، وعموم محاسن الشريعة، وأدلتها في الإحسان والإنفاق أن يقال: إن نَصَّ على الملك فهي هبة؛ لأنه تمليك بلا عوض أو معاوضة، وعليها يحمل نص الرقبى والعمرى، وإن نص على الإذن في السكن؛ فلا تمليك، وله قبض السكن


(١) - قولنا «أن يهب رقبة البيت .. » فيه حديث في صحيح مسلم برقم ٤٢٧٦ عن جابر بن عبدالله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر ولعقبه».

<<  <  ج: ص:  >  >>