ومن قواعد الشريعة (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(ص: ٨٦).
ولأنه بالاستقراء عرفنا أن الشريعة في أحكامها التي تعم علقت معرفتها بالأسباب الظاهرة العادية لعموم الخلق (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(النساء: ١٦٥).
ولو أجزنا الصيام بالمجهر؛ لتكلفنا الدخول في العبادات، وهو خلاف منهج ومقصد الشرع في النهي عن التكلف (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
وإلا لأجزنا استعمال مكبرات الرؤية في رؤية النجاسة على الثوب والماء.
ولأنه ينبني كثير من المسائل على رؤية الهلال، وهي من أكبر المسائل مثل حساب العدة التي يتعلق بها حفظ الأنساب والأعراض، ويتعلق بها قضاء الديون، وصيام كفارات شهرين متتابعين، والطلاق المعلق، والأيمان، والنذور.
فهل يقال بانقضاء العدة بالاعتماد على رؤية الهلال عبر المجهر المكبر، ولم يُرَ بالعين المجردة إلا بعد يوم؟
وفي هذا اليوم تبقى المرأة في ذمة زوجها المطلق وترثه، وهذه المسائل المرجع فيها رؤية الهلال بالعين أو التمام.
ولا يقاس على النظارة الطبية على العين؛ لأن العمل بالرؤية بالمجهر للهلال تكبيرٌ لما لا يراه الناس جميعا بالرؤية العادية، فهو تكلف.
وأما النظارة فهي فيما هو مرئي للناس في الرؤية العادية فهي علاج لضعف، فكانت في الهلال تكبير لما لا يشاهد لعموم الناس، وفي النظارة تكبيراً لما يشاهده الناس لخلل في عين فرد، فكيف يسوى هذا بهذا والمسألة عكسية؟ فتلك تكلف مذموم والأخرى علاج مشروع، ولا يقاس إلا مع تساوي فرع وأصل، والحاصل أن الله كلف الناس بالعاديات الجارية في الخلق رؤية وسماعا.
فمن كلفهم بغير العاديات فقد خرج عن سعة التكليف إلى التكلف في التكليف.
ونقل رؤية الهلال في الفضائيات مباشرة بواسطة تكبيره بالمجهر أو بغير تكبير لا يعتبر رؤية يجوز بها الشهادة أمام القضاء لمن رآها؛ لأنه كنقل خبر من رأى؛ فالمخبر شاهِدٌ، وناقل الخبر ليس بشاهد.