للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلنا «للضرورة»؛ لأنه من غير ضرورة يبطل أصل حفظ المرأة وصيانة سمعتها وعرضها وما عاد على الأصول بالإبطال فهو باطل.

ولا يشك عاقل أن المرأة التي فتحت أبواب بيتها لكل من شاء من الرجال الدخول عليها لِتَرَفُّهٍ، وتبادل الحديث، والأقاويل أنها امرأة لا سلامة لسمعتها بين المجتمع، وتكثر حولها الشائعات والقيل والقال.

ولذلك لم يحل الله لها إلا القول بالمعروف بدون خضوع (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) (الأحزاب: ٣٢).

والدخول عليها ولو بعدد من الرجال من غير حاجة وضرورة خروج عن المعروف؛ لأنه أشد من الخضوع بالقول، وخروج عن المعروف إلى عدم المعروف؛ لأنه إن لم يكن لحاجة بالمعروف؛ كان لمجرد الترفُّه للأجانب مع الأجنبيات، وهذا محرم أشد من تحريم الخضوع وأولى.

فدل على أن الدخول لحاجة؛ ولأن «العادة محكمة» إحدى القواعد الخمس الكبرى، والعادة بين البشر أن كثرة دخول الرجال الأجانب على المرأة في غياب زوجها شبهة، وهذا يعلمه مسلم وكافر، وقد ضبطت الشريعة قولها وفعلها بالمعروف (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) (الأحزاب: ٣٢)، فهذا في الأقوال، والأفعال أبلغ (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: ٢٣٤).

وهذه في الأفعال؛ فضُبِطَتْ بالعُرْف.

وهذا كثير في النصوص كقوله تعالى (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ) (الطلاق: ٦)، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة: ٢٢٨)، وهذا يدل على اعتبار العادة والعرف في ذلك اعتبارا بينا مُحَكَّما.

وأما حديث فاطمة بنت قيس أنها اعتدت عند أم شريك وكانت امرأة غنية، وكان الصحابة يأكلون في بيتها «إنها امرأة يغشاها أصحابي فتحولي من عندها حتى لا ينكشف منك ما تكرهين» (١) فهو دليل على ما قلنا.


(١) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>