وإنما قلنا أدناه؛ لأن الغرض في الإعداد معلق بالاستطاعة، وهذه العلة متحققة في دول العرب والمسلمين، وأدناها المماثلة وهي مستطاعة.
ووحدتهم من القوة فهي فرض بالوسيلة هنا، وفرض بالنص في مواضع.
ودول الجزيرة العربية السبع (السعودية والإمارات والبحرين وعمان وقطر والكويت واليمن) أشد في فرضية الوحدة، ويليها العراق والشام ومصر (١).
ويدخل في القوةِ القوةُ الاقتصادية؛ لأنه لا إمكان لإعداد معتبر في ميزان القوى المعاصر إلا بذلك.
وكل وسائل ذلك من قوة المؤسسة العلمية التي تخرج المتخصصين في مختلف علوم النهضة، شرعيةً وتكنولوجيةً وفكريةً.
وكل هذه الأمور مستطاعة للعرب والمسلمين اليوم؛ فهم آثمون لتقصيرهم وحكامهم أشد إثما؛ والواجب دفع مفاسد استطالة عدوهم عليهم وعلى دينهم، احتلالا ونهبا واستضعافا وفتكا وأسرا وسجنا وابتزازا لقراراتهم السياسية والسيادية، وصدهم عن سبيل الله كثيرا، واستهزائهم بالله وآياته ورسوله، وقتلهم لأهله، وإخراجهم من ديارهم بغير حق، واعتدائهم ابتداء بالقتال والبغي (وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)(التوبة: ١٣)، ونكثهم للعهد والميثاق الدولي والإنساني (نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ)(التوبة: ١٣).
فتلخصت القوة الإعدادية الفرضية في النص بخمسة أمور لا بد منها، وهي القوة العسكرية، والاقتصادية، والتعليمية، ووحدة الصف، فهذه الآن هي القوة، وفرض تحصيلها، وكل ما لا تتم إلا به من الوسائل فهو واجب. وقبل ذلك كله تحقيق الإيمان والعمل الصالح فهو ضرورة يتعذر تمكين الأمة إلا به (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور: ٥٥).
ولكل عصر قوةٌ بدليل أمر عمر للمقاتلين ألا يقصوا أظافرهم في الغزو؛ لأنها تحل عقدة
(١) - انظر العلاقات الدولية من كتابنا هذا في فقه الدولة.