للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قال إنها منعت بعد تحريم القمار فقد أخطأ؛ لأن القمار هو بذل العوض على عوض مجهول يغلب فيه الضرر، والغرر، والغبن الفاحش على المقامر بخلاف قضية أبي بكر في المراهنة، فهو بذل عوض معلوم مقابل عوض معنوي مصلحي معتبر عام محقق، فقد بذل مئة من الإبل وهو متيقن أن الروم ستغلب الفرس في بضع سنين، للنص القطعي في القرآن، بخلاف المقامرة؛ لأنها قائمة على الجهالة وأكل المال الباطل وعدم النفع.

فما كان مثل قضية أبي بكر جاز.

فإذا تراهن اثنان على صحة أبحاث علمية من عدمها، كالمراهنة على بطلان نظرية داروين في قردية الإنسان ونشرت المراهنة واشتهرت جاز؛ لشهادة القرآن على بطلانها.

وكمناظرة عامة متلفزة على بطلان أو صحة أمر من الأمور التي يتعلق بها مصلحة، كدفع اتهام بفساد نسب إلى جهة بعينها فلا مانع منه عند تيقن صحة المآل؛ لكون المراهنة حينئذ سببا لكشف الحقائق، ودفع المفاسد.


= ناس من قريش لأبي بكر فذلك بيننا وبينكم زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارسا في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرهان- فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه قال فسموا بينهم ست سنين قال فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال في بضع سنين قال وأسلم عند ذلك ناس كثير.
قال هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن بن أبي الزناد.

قلت: وفي جواز الرهان أحاديث صحيحة غير هذه، منها حديث أنس عند أحمد بسند حسن برقم ١٣٧١٤ عن أبي لبيد قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج والحكم بن أيوب أمير على البصرة قال فأتينا الرهان فلما جاءت الخيل قلنا لو ملنا إلى أنس بن مالك فسألناه أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه وهو في قصره في الزاوية فسألناه فقلنا يا أبا حمزة أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن قال نعم والله لقد راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له يقال له سبحة فسبق الناس فانتشى لذلك وأعجبه. وأخرجه الضياء في المختارة برقم ٢٥٨٠. وأما ما ورد في النص السابق (وذلك قبل تحريم الرهان) فهو مدرج من كلام أحد الرواة، ولعله كان يرى الحرمة، فتأول الحديث بذلك. وقد أورد العلامة الألباني عدة أحاديث وآثار في إرواء الغليل في هذا الباب تدل على ما رجحناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>