للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولنا «مال بالجوار المشترك» قلنا ذلك عملا بحديث «الجار أحق بسقبه» (١)، وقد أطلقت الحنفية الشفعة بالجوار بهذا، ومنع الأئمة الثلاثة الشفعة للجار؛ لحديث جابر «إذا وقعت الحدود والطرقات فلا شفعة» (٢).

والصحيح الذي نراه مطابقا للنصوص جميعا ومطابقا للواقع العملي أن الجوار إذا كان منفصلا بالمداخل والمخارج ولم يبق بينهما سوى لفظ الجوار فلا شفعة. وعليه صريح حديث جابر.

أما إن كان الجوار مشتركا في نفس الأرض، ولا تفصل بينهما سوى علامة من وضع حجر، أو غرز حديدة، أو علامة شجرة، والمداخل والمخارج مشتركة فهذه يشفع فيها بالجوار وعليها يحمل حديث «الجار أحق بسقبه».

ولذا قلنا في التعريف بالجوار المشترك، احترازا عن الجوار المنفصل.

وقلنا «أو الشراكة المشاعة»: وهي ما قبل القسمة بين الشركاء، فالشفعة فيها مشروعة بدلالة النصوص والإجماع.

وإطلاق النصوص يدل على إثبات حق الشفعة ولو قل النصيب، فإن كان الشركاء جماعة وشفعوا جميعا جاز على عدد الرؤوس بالتساوي وجاز على حسب نسبة ملك كل شخص لاندراج هذه الكيفية في عموم الإطلاق بلا تفصيل، فعلم جوازهما؛ ولدخولها تحت قوله تعالى (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) (المائدة: ١٠١).

فكل مسألة لم يحرمها الله فهي من العفو بالنص.

فإن اختصموا فالقول قول صاحب الملك في اختيار الأنسب له؛ لأن له حق تقدير دفع


(١) - أخرجه البخاري برقم ٢٢٥٨ عن عمرو بن الشريد قال وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة، أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمئة دينار ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «الجار أحق بسقبه» ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمس مئة دينار فأعطاها إياه.
(٢) - أخرجه البخاري برقم ٢٢١٣ عن جابر رضي الله عنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>