للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل الثالث: لا ضمان إلا بمباشرة فعل الإتلاف، أو تسببٍ متلفٍ عادة.

أما دليل الأصل الأول فقوله صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» (١)، ولعموم قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) (البقرة: ١٧٨)، وهذا يدل على ضمان الأنفس.

وحرمة الأموال والأنفس تقتضي حفظها وأنها مضمونة، ولأن حفظها من مقاصد الشريعة الستة.

أما دليل الأصل الثاني فعموم قوله تعالى (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا) (الأنعام: ١٦٤)، وعموم (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: ٢٨٦)، وعموم (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى: ٤٠).

فمن أتلف نفسا أو مالا فالجزاء بمماثلة الإتلاف، وهو في النص القصاص، والدية تخفيف (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: ١٧٨).

وفي الأموال بالثمن، فإذا جاز المال بدل النفس تعويضا فالمال بدل المال من باب أولى.

ولقوله (فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ) (المائدة: ٩٥)، فقضى في المال أنه يعوض بمثله بحكم عدلين في تقدير المماثلة، ولحديث «طعام بدل الطعام وإناء بدل الإناء» (٢).


(١) - تقدم تخريجه.
(٢) - أخرجه أبو داود برقم ٣٥٧٠ عن جسرة بنت دجاجة قالت: قالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به، فأخذني أَفْكَل، فكسرت الإناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت قال «إناء مثل إناء وطعام مثل طعام». و «أَفْكَل»: أي رعْدَة. وأخرجه النسائي برقم ٣٩٥٧. قلت: سنده حسن وجسرة بنت دجاجة وثقها العجلي، وقال الحافظ في الإصابة (٧/ ٥٦٨) برقم ١١٠٠٨: جسرة بنت دجاجة تابعية معروفة روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة وهي معدودة في أهل الكوفة روى عنها قدامة بن عبدالله العامري وأفلت بن خليفة وممدوح الهذلي قال العجلي ثقة وورد ما يدل على أن لها إدراكا فأخرج ابن مندة من طريق عثام بن علي عن قدامة عن جسرة قالت أتانا آت يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأشرف على الجبل فقال يا أهل الوادي انحرف الدين ثلاث مرات مات نبيكم الذي تزعمون فإذا هو شيطان فحسبنا فوجدناه مات ذلك اليوم وذكرها ابن مندة في الصحابة ولم يذكر سوى هذا الأثر وأخرجه عن أبي علي بن السكن بسنده إلى عثام وهو بمهملة ومثلثة ثقيلة وليس صريحا في إدراكها لاحتمال أن تكون أرادت بقولها أتانا آت من قومها وتكون نقلت عنهم ولم تدرك هي ذلك ولم يذكرها ابن السكن في الصحابة وحديثها عن الصحابة في السنن لأبي داود والنسائي وغيرهما. انتهى. قلت: وذكرها في الصحابة أبو نعيم في المعرفة، وروى عنها جمع، ووثقها ابن حبان والعجلي، وقال الذهبي وثقت، وذكرها ابن الأثير في أسد الغابة .. فعلى هذا فحديثها حسن، وقد حسنه الأرناؤوط في المسند، وضعفه الألباني، والصحيح تحسين الأرناؤوط؛ لأنه الموافق لقواعد علم الجرح والتعديل، ثم اطلعت على قول الحافظ في الفتح (٥/ ١٢٥): إسناده حسن. ومما يؤكد صحة الحديث أن القصة في صحيح البخاري برقم ٥٢٢٥ من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غارت أمكم، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>