للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنه أدفع للخصومة؛ ولأن دخوله مؤد إلى حرص البائع على السلعة طلبا لسعر أعلى من مساوم آخر، ويترتب عليه كثيرا فشل الصفقة معهما، مما يؤدي إلى قلة حركة المبيعات، ونوع من الركود.

فمقصود الشرع من تحريم المساومة على المساومة حفظ التعاون، والمودة بين عملاء السوق مع بعضهم وبينهم وبين التجار، إذ انصراف التاجر إلى الآخر مع إعراضه عن الأول طمعا في الزيادة مؤد إلى نفور العملاء منه، وسوء سمعته مما يؤدي إلى نوع خسارة عليه.

ونفوق السلع سريعا وجريان حركة السوق والتجارة ودورانها هي إحدى أجدى الطرق للانتعاش الاستثماري والاقتصادي وتشغيل اليد العاملة.

فلذلك حرم السوم على السوم، والبيع على البيع؛ لأنه يعود على هذا المقصود الشرعي التجاري بالإخلال.

ب- والمداراة والمماراة ممنوعتان في الاستثمار حال التفاوض وأثناء العقود وبعدها للنص على قصد تركهما «كان شريكي، وكان لا يداري ولا يماري» (١).

والمداراة هي المجاملة على حساب الحقائق، فالواجب بيان الحق في كل ما يتعلق بالمعاملات؛ لأنه من النصيحة «الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم» (٢).

والمماراة كل جدل عقيم بالباطل -وهو الغالب- أو بالحق؛ لأنه يرتب الخصومة والضغينة مما يؤدي إلى فشل العلاقات التجارية والاستثمارية.

فالنهي عن المماراة في المعاملات المالية له مقصدان، الأول: حفظ الود ودفع الضغينة، والثاني: حفظ العلاقات التجارية وهما أدعى لمقصود أبعد وأعلى، وهو حفظ جريان ودوران المال وحركة الأسواق.


(١) - حديث «كان شريكي، وكان لا يداري ولا يماري» قلت: سنده حسن، وصححه الحاكم برقم ٢٣٥٧، وقال الذهبي صحيح. وصححه الهيثمي في المجمع. قلت: وتضعيف الأرناؤوط له في مسند أحمد لا وجه له. وذكره الضياء في المختارة برقم ٣٧١.
(٢) - تقدم الحديث وتخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>